بإنهاك واضح، تحمل على ذراعها طفلها الذي لم يتجاوز عامه الأول، في محاولة لتهدئته، بعدما أطعمت طفلتها الأكبر لتلهو على كرسي خشبي بجوارها، بينما تحرك بالذراع الأخرى «الكسكسي» في إناء ضخم، تحمله عربه معدنية صغيرة، بأحد شوارع حي عابدين، التي اتخذتها نعمة شلبي، طوقا للنجاة من أجل الحياة، بعدما تخلى عنها زوجها وتركها مع طفليها، وسط أمواج الحياة العاتية دون ظهرٍ أو راتبٍ تحتمي به.
«نعمة» تترك «راحة البيت» وتتجه لـ«شقى الشارع» من أجل طفليها بعد هجر والدهما
تبدلت حياة «شلبي»، البالغة من العمر 27 عاما، بعد زواج استمر لنحو 5 أعوام، لم تهنأ فيهم بالعيش رفقة زوجها بسبب الخلافات الزوجية بينهما والتي أدت في النهاية إلى الانفصال التام منذ عام، ليهجر أبناءه معها: «عندي طفلين، لوسيندا 4 سنين ولؤي سنة واحدة»، لتقرر ترك راحتها بالمنزل للعمل في الشارع، داخل الحي الذي ولدت فيه بأدواتها البسيطة، مستغلة مهارة الطهي لديها: «بدأت أشتغل وأبيع في الشارع الكسكي من قبل ما انفصل عن جوزي بسنة لأنه مكانش بييصرف علينا».
بعد الانفصال، انتقلت الفتاة العشرينية برفقة طفليها، للعيش في منزل والدها المُتوفى قبل عامين، الذي رغم رحيله، لكنه ما زال سندا لها، فاتخذت من عربته السابقة، ظهرا جديدا لها تعول من خلاله طفليها، قائلة: «العربية دي بتاعة أبويا الله يرحمه، ومن بعده أخواتي أشتغلوا عليها وفي الآخر خدتها أنا»، ليبدأ عملها من الساعة 7 صباحًا وحتى 2 بعد منتصف الليل: «بصحى أودي بنتي الحضانة ولما أرجع أفضل أجهز الشغل بتاعي لحد الساعة 3 أو 4 العصر، وبعدها أروح أجيب بنتي وأطلع أبيع لحد ما ربنا يكرمني وأخلص اللي معايا»، لتتقلص ساعات نومها إلى 5 ساعات في «أفضل الظروف»، على حد وصفها.
«نعمة»: مش عايزة غير أوضة بحمام تسترني أنا وعيالي
رغم عملها طوال اليوم في الشارع، لكنها لم تتجاهل الاعتناء بطفليها، إذ حاولت حل تلك المشكلة بتخصيص مكانًا في نفس العربة المُحمَّلة بالكسكسي كفراش لهما، حال رغبوا في النوم أثناء عملها، بقولها: «جايبة لهم بطانية ومخدة معايا وبفرشها لهم في العربية وبنيمهم.. والحمدلله النار مبتجيش ناحيتهم، بس المكان بيكون دافي خالص علشان كدا لما بيطلعوا في الهوا بيتعبوا»، وهو سببا يؤرقها بشدة إذ لا تجد حلًا آخر أو من يعتني بطفليها أثناء وجودها في الشارع.
بالرغم من إقامة «نعمة» في منزل والدها، فإنها لم تشعر بالأمان والاستقرار، إذ دائمًا ما يراودها شعورا أنها مهددة بالخروج منه إلى الشارع بطفليها في أي وقت، لذلك تأمل بشدة في تقديم يد العون لها، بتوفير مسكنا خاصا بها لا يمكن لأحد أن ينزعه منها: «مش عايزة غير أوضة بحمام، حيطة تسترني أنا وعيالي، وأكون مطمنة أن محدش ممكن يطلعنا منها».