هآرتس – بقلم: رون كحليلي “الخطاب السائد في أوساط الجمهور الإسرائيلي، خصوصاً في العقدين الأخيرين، خطاب يميني صارخ فيه علامات تعجب. كلما أكثرت من الحديث اليميني أصبحت أكثر إسرائيلية. أصبحت اليمينية هي القاعدة ونقطة الصفر أيضاً، من ناحية سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وإعلامية أيضاً. وأصبح الجمهور الذي كان متشككاً بدرجة ما بخصوص مواقفه السياسية، الأصوليون والشرقيون مثلاً، يميناً واضحاً في العقود الأخيرة، تحديداً من ناحية إعلامية.
صحيح أن بنيامين نتنياهو والمقربين منه يصنفون الحكومة الحالية كحكومة يسار متطرف، تبيع أرض الآباء لحزب “راعم” برئاسة منصور عباس، بصورة متحايلة ومخادعة ، لكن كل خطوات وصورة حكومة “التغيير”، التي يعتبر 5 من بين أضلاعها الـ 8 تقريباً يساراً أو يساراً – وسطاً (يوجد مستقبل، أزرق أبيض، العمل، ميرتس، وبدرجة معينة حتى “راعم”)، هي يمينية تماماً، كما قال رئيس الحكومة السابق. ربما الأسلوب مختلف قليلاً، وكذا التركيبة العرقية، لكن الجوهر اليميني يزداد تأكيداً وتطبيعاً الآن، بمصادقة وتشجيع، وأحياناً بمبادرة اليسار الصهيوني، مثل الفراشة التي تسعى إلى حتفها. والآن بعد دقيقة أو دقيقتين سيبدأ بالصراخ التقليدي مرة أخرى، طالباً النجدة.
هيا نحلل القضية إلى عواملها: السياسة الاقتصادية (أو الموازنة الاجتماعية، كما يسميها افيغدور ليبرمان) يمينية وعديمة الشفقة بدرجة كبيرة؛ وخدمات الرفاه الأساسية (على رأسها السكن العام) تواصل الانهيار ونهايتها قريبة؛ أما غلاء المعيشة وأزمة السكن ففي ذروتهما، بالأساس في الضواحي؛ وتحولت الصحة إلى أمر تفاضلي، هناك جمهور يعيش أكثر من الآخرين.
لا حاجة لذكر استكمال السيطرة على “الفضاء الريفي” (كما كتب زبيدة وبني نورئيلي، “هآرتس”، 31/12/2021)؛ وزخم البناء في الضفة الغربية وشرقي القدس؛ والدعم الكامل الذي تمنحه الحكومة لمن يرتكبون المذابح من اليهود في الضفة؛ والحصار المستمر على قطاع غزة، وصقل السيوف أمام إيران التي تنشئ مشروعها النووي، والمحاولات المتكررة للمس بحرية التعبير والمجتمع المدني، بما في ذلك إخراج ست منظمات فلسطينية لحقوق الإنسان خارج القانون بأمر من اليساري المشهور بني غانتس.
انظروا على سبيل المثال إلى الخطوة الجريئة كما يبدو لنفس غانتس هذا؛ فقد دعا إلى بيته الخاص في رأس العين “منكر الكارثة”، كما يحرص عميت سيغل على تسميته في نشرة الأخبار الأكثر مشاهدة هنا، أبو مازن، رئيس م.ت.ف، الشخص الذي تعتبره إسرائيل منذ أكثر من عقد زومبياً سياسياً، وأحياناً يسمونه الشيطان الذي يواصل درب الرئيس عرفات، ومرة أخرى يسمونه دمية.
التقى الاثنان، كما قيل، وجهاً لوجه في محادثة، وكانت على الطاولة ترتيبات أمنية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، على خلفية اندلاع موجة إرهاب تنضم، حسب مهندسي الوعي، إلى النار التي اشتعلت في المدن المختلطة قبل سنة تقريباً. لم يسارع المقربون ورؤساء اليمين في الائتلاف إلى التهدئة. الاثنان لم يتحدثا، لا سمح الله، عن حل الدولتين، رغم أن غانتس يدعي بأنه يواصل درب إسحق رابين، بل عن الأمن فقط.
وعندما برز وميض لعملية يمكن اعتبارها يسارية، لا سمح الله، سارع رؤساء ائتلاف التغيير، ومن بينهم المقربون من غانتس، إلى طمسه وإخفائه. يبدو أنهم حذرون من تهمة أنهم يساريون لا سمح الله. صورة كهذه لا تجدي من ناحية سياسية إنما هي صورة غير دقيقة من ناحية الوقائع، وليس من ناحية “يوجد مستقبل” أو “العمل”، ولا من ناحية “ميرتس” الذي لم يكن في أي يوم حزباً يسارياً، بل واجهة لليسار أو يسار نسبي.
أفحص، على سبيل المثال، إنجازات الأحزاب الخمسة المتماهية مع اليسار، أو الوسط – يسار، وأعضاء في حكومة التغيير، تحديداً نجازات “العمل” و”ميرتس”، وأجد صعوبة في الانفعال من أفعالها. ما الذي جلبته لحياتنا عدا آداب المائدة المشينة؟ لغة جندرية واضحة أو نقاش حاد حول الفندقة؟ أو صورة أخرى للعلاقات العامة مع أبو مازن وأحاديث فارغة عن منظومة صحية قوية؟ أي أجندة جديدة، غير يمينية، في أي مجال كان، جلبها اليسار أو الوسط – يسار لحكومة التغيير، التي تبين أنها حكومة من الحكومات الأكثر يمينية التي كانت لديها في العقود الأخيرة، بالتأكيد من ناحية سياسية.
نحن مجبرون على الاعتراف بأن اليسار الصهيوني، خصوصاً في مرحلته الحالية، تحول إلى صورة نمطية ضعيفة ومتعطش للسلطة، وكل هدفه هو ترتيب عمل للنخب القديمة. هنا تصريح ضعيف عن عنف المستوطنين، وهناك حديث ضعيف عن أزمة المناخ والمواصلات العامة القوية أيضاً في أيام السبت. هل هناك أجندة بديلة؟ هل توجد حرب ثقافية تحطم المسلمات؟ هل توجد عدالة في التوزيع؟ لا، فثمة مهمة أكثر أهمية، وهي الحفاظ على دولة إسرائيل من عودة محتملة للشخص الذي قضى على اليسار ونزع القناع عن وجهه. هل توجد عدالة شعرية؟ لا، يوجد تحايل سياسي غير مسؤول يمنع قيام يسار جديد مثير للحماسة في إسرائيل.