هآرتس – بقلم: عودة بشارات “باستثناء رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ليس هناك رئيس حكومة في العالم يعلم الحقوق على شواهد القبور. نائب الوزير، يئير غولان، وصف مستوطني بؤرة “حومش” بـ “دون البشر”. ورداً على ذلك، غرد بينيت بأن أقواله صادمة و”تعميمية”. هذا جيد. يا رئيس الحكومة، هل أنت على استعداد لإدانة المستوطنين الذين دنسوا المقابر في قرية برقة الفلسطينية؟
للتخفيف عليك، أقترح نطاقاً من المقولات التي يمكن بواسطتها أن تدين بلطف الذين حطموا شواهد القبور. يمكن القول “من غير اللطيف تحطيم الشواهد” أو “من غير اللائق تحطيم شواهد القبور” (أنا لا أقترح، لا سمح الله، القول إن “من القبيح تحطيم شواهد القبور” لأن هذا قد يمس بنفوس “الطلائعيين” اللطيفة).
بعد تصريح غولان، اعتقدت أن بينيت قد وجد أمامه فرصة ذهبية سيدينها ويشيد بـ “طلائعية المستوطنين”، وفي المقابل، سيرمي كلمة انتقادية على من قاموا بالتحطيم. هكذا، سيخرج طاهر من اليمين – لتحيا المقارنة الهشة بين من يحطمون شواهد القبور، ومن يدافعون عنه – وسيكسب على الطريق ربحاً جانبياً لا بأس به. فهو سيحتل مكاناً في نادي المتنورين كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان أول من أدان عملية تدنيس المواقع اليهودية. ولكن ما خيبة الأمل هذه؟ بينيت، الذي في ائتلافه حزب عربي، كان يتوقع أن يأخذوا في الحسبان مشاعر أعضائه، ويشيد بـ “الاستيطان في يهودا والسامرة” على اعتبار أنه “طلائعية أيامنا الحالية” ويكتفي بذلك. ما الذي استفدناه من كل هذه الفوضى؟ أن غولان مذنب؛ رجاء، حطموا صورته. بهذه المناسبة، أجد من الصحيح تعزية نائب الوزير، وأقول له: “نحن العرب أيضاً مررنا ونمر بتجارب مشابهة: يصادرون أراضينا ويدمرون بيوتنا، وعندما يصاب أحد الشباب بشدة الإحباط ويطلق شعار متطرف، يسارعون إلى عرضنا كمن قررنا تصفية دولة اليهود. نار التحريض تحرق حتى القريبين.
أرغب بالتهدئة في هذه الأثناء. لن يقدم بينيت على الإدانة، ولن يفعل ذلك وزراء الحكومة أيضاً، ولا أعضاء المعارضة، باستثناء أعضاء “القائمة المشتركة”. صحيح أن لكل منهم أسبابه، لكن النتيجة في نهاية المطاف واحدة، وهي الصمت الخانق، والخجل يقف بقبحه اللامع: تقريباً إجماع يهودي من الحائط إلى الحائط مع تدنيس المقابر الفلسطينية، صحيح أنكم لم تسمعوا وزير الخارجية يئير لبيد، مثلاً، يعلن أنه مع تحطيم شواهد القبور، لكن إذا حافظ على الصمت فهذا يعتبر موافقة صامتة.
رأى رئيس الحكومة أنه من الصحيح إنهاء التغريدة بشعار أصبح لونه باهتاً من كثرة استخدامه، وهو “لم نأخذ أرضاً غريبة”. هذا غريب. ولكني لم أسمع في أي يوم زعيماً بريطانياً يذكرنا بأن مانشستر ليست أرضاً غريبة. الاستخدام المتكرر لهذه الجملة يطرح علامة استفهام حول صحتها. أليس الحديث يدور عن الدفاع عن النفس، الذي يشير إلى أنه معنى معاكس يعتمل في أعماق من يحفظونه، وهو أن المناطق المحتلة أرض غريبة.
أنهى التغريدة بجملة جاء في نهايتها: “بل هي إرث آباءنا”، وهذه تثير المزيد من التساؤلات. هل يدور الحديث هنا عن تشوش منطقي؟ أم عن تشوش داخلي، الذي يحاول بينيت تعتيمه؟ يقولون “تحطيم شواهد القبور”، فيرد بينيت “إرث آبائنا”. ما الذي يقصده بـ “إرث الآباء” بالتحديد في سياق تحطيم شواهد القبور؟ في السياق العام، وفي ظل غياب الإدانة، فإن نهاية الجملة تعطي شرعية للعملية. لأننا نفهم بأنه إذا كان الأمر يتعلق بـ “إرث آبائنا” فمسموح إذاً تدنيس قبور الفلسطينيين؛ لأنهم لا آباء أو جذور لهم، بل خرجوا من الحائط.
تضمنت تغريدة بينيت 27 كلمة، لكنها تعكس انغلاقاً غريباً إزاء القيم الإنسانية. إذ إننا جميعاً، ليس اليهود وحدهم، خلقنا على هيئة الخالق. فهل سيفضل الله طفلاً يهودياً على طفل فلسطيني؟ ويورث الأرض لليهودي ويرمي الفلسطيني إلى مخيم لاجئين في الغربة؟ لا أصدق أنها رغبة الله. لذلك، في هذا الظلام الكثيف الذي يلفنا منذ سنوات كثيرة، ليس أمامي سوى الصراخ: “يا الله، لماذا تركتني؟”.