بين الجموع الكبيرة، يقف بثبات، ليغلق عيناه ويطلق لذاته العنان، الذي يصل حد السماء، بترديد الأناشيد الدينية، عبر صوته الرخيم المميز، لا يفصله عن تلك اللحظات سوى نظرات التنمر والسخرية التي تلاحقه، رغم تجنبه لها، كونه من قصار القامة، ليتجاهلها مجددا بالنظر إلى الأعلى للسماء، مستمدا منها القوة للتجاوز.
أحمد ناجي، 28 عاما، من أبناء قرية كوم القناطر بمركز أبو حمص في محافظة البحيرة، من قصار القامة، حصل على دبلوم فني صناعي، لكنه ولد بداخله من صغره هواية الإنشاد الديني، منذ توليه تلك المهمة في الإذاعة المدرسية خلال المرحلة الابتدائية: «مرة زميلي اللي كان المفروض يطلع في الإذاعة غاب، فطلعت أنا مكانه ومن وقتها وبقوا يخلوني أشارك في الإذاعة كل مرة».
«أحمد»: نظرات التنمر وقفتني عن الإنشاد
عمل «أحمد»، الأبٌ لطفل رضيع بعمر الـ10 أشهر، في تحفيظ القرآن لأبناء قريته، بينما حرص على تنمية موهبته قدر استطاعته، بالاستماع لمجموعة كبيرة من الشيوخ والمنشدين، وأيضا المشاركة في الحفلات الدينية: «مركز شباب كوم القناطر دايمًا كانوا بيبعتوني أشارك في حفلات إنشاد ديني».
نظرات كثيرة من التنمر والاستغراب، تلقاها ابن محافظة البحيرة خلال مشاركته في حفلاته الأولى بسبب كونه من قصار القامة، ليؤثر على مشاعره بشدة، ما تسبب في توقفه عن الإنشاد لعدة دقائق، ليستنشق الهواء الطلق بقوة معيدا لذاته الثقة والرضا الداخلي متذكرا حُب وتشجيع أسرته وأصدقائه: «من أكتر الناس اللي وقفت جنبي ودعمتني الشيخ إسلام قنديل وهو من أكبر المنشدين في محافظة البحيرة»، بحسب حديث «أحمد» لـ«».
«النقشبندي والتهامي».. قدوة «أحمد» في الإنشاد
يرى الأب العشريني أن الله من عظمة رحمته يُسخر للإنسان في كل أزمة من يُساعده على الخروج منها، لذا تمكن من تجاوز ذلك التنمر الذي تعرض له بحياته، من خلال أسرته الصغيرة وأصدقائه الذين حرصوا على دعمه باستمرار: «كل ابتلاء من ربنا هو تميز».
شيوخ ومنشدين عدة، استمع لهم «أحمد» بحرص خلال سنوات حياته، لإثقال موهبته بتعلم أصول الإنشاد الديني، ومنهم الشيخ ياسين التهامي، والقارئ سيد النقشبندي، والمطرب محمد ثروت، إذ يتخذهم قدوة له، متمنيا تحقيق نجاحات وشهرة على غرارهم، وفي الوقت نفسه تحدي أزمة قصر القامة: «نفسي أوصل صوتي ورسالتي للناس كلها.. وهي أن ذوي الاحتياجات الخاصة ناس عادية زي أي حد، وأني مشوفش من الناس إلا النظرات العادية مش تنمر أو شفقة».