بركاتك يا الجزائر..صادق الشافعي

بركاتك يا الجزائر..صادق الشافعي

2022 Jan,22

ما من عامل يصبّ في مصلحة حوار الجزائر ونجاحه في تحقيق اختراق حقيقي وواقعي وقابل للتحقق على أرض الواقع سوى عامل واحد، هو الثقل النوعي للجزائر في نفوس الفلسطينيين عامة ونفوس كل قواهم السياسية.
هذا العامل هو الباعث الوحيد للأمل والتفاؤل، فهل يكفي للتغلب وتجاوز كل بلاوي الانقسام وتراكماته العميقة في الواقع التنظيمي الفلسطيني؟
غير ذلك لا مستجدات تحققت منذ آخر محاولة جرت، لا في العناوين الرئيسة، ولا في العلاقات والطرق الموصلة إليها، ولا في إبداء الاستعداد لتقديم التنازلات المطلوبة، حتى لو كانت مقترنة بشروط منطقية وقابلة للتجاوب والتحقق.
لم يحصل ذلك في مواقف سياسية وتنظيمية معلنة، ولا حتى في مؤشرات عليها.
على العكس من كل ذلك تماماً، ظل هناك طوال سنوات عملية تركيم، وأيضاً تعميق، لمواقف وقناعات اقترنت مع ممارسات وتطبيقات لحقائق الانقسام وتعبيراته السياسية، وفي العلاقات بين القوى، وأيضاً في الحقائق الواقعية والعملية على أرض الواقع، وكلها بالمحصلة دفعت الانقسام خطوات باتجاه مصيبة الانقسام الكياني.
الآن، بل منذ زمن ليس بقصير، وبصرف النظر عن أقوال وتصريحات من هنا وهناك، ولقاءات عابرة في هذا الظرف أو ذاك، فإن الصورة الطاغية للانقسام أنه أصبح صراعاً بين الطرفين الأساسيين على السلطة والقيادة المتحكمة والمنفردة واقعياً وكلياً: السلطة الوطنية القائمة، وحركة حماس.
وإن المواقف من المصالحة والتعاطي مع متطلباتها العملية والتفصيلية تبقى مشروطة ومحكومة لعوامل هذا الصراع وميزان القوى الحاكم فيه واحتياجاته وترجماته على أرض الواقع. ولا بد من الاعتراف بأن هناك خلافاً يقترب من حد التناقض بين برنامجَي الطرفين المذكورَين حول التعاطي مع قضايا وطنية ومحلية مركزية كما يتم الإعلان عنها.
إن جديه الخلاف وثبات واستمرارية التمسك بالبرامج الخلافية هو ما يعيق لدرجة المنع تحقيق نوع من الجسر أو الالتقاء بين البرنامجين.
أما التنظيمات الأخرى، فلا ينظر لها الطرفان الأساسيان المذكوران ولا إلى دورها والتعاطي معها إلا كملاحق لهذا الطرف الأساسي أو ذاك، خصوصاً أن بعض تلك التنظيمات فقد الكثير من ثقله وفعله وقوة حضوره وتمثيله الشعبي، وكذلك دوره السياسي الفاعل في الواقع الوطني الفلسطيني.
وإذا ما حصل وتم فعلاً الذهاب إلى انتخابات عامة، فلا خيار عند بعضها إلا الالتحاق بأحد الطرفين الأساسيين المذكورين. لا فرق إن حصل ذلك علناً من فوق الطاولة، أو تم من تحتها.
هذا الوضع للتنظيمات المذكورة يطرح السؤال: لماذا لا تتجه هذه التنظيمات، بالذات وهي تمتلك رؤى ومواقف سياسية ونضالية تقترب من التطابق فيما بينها (كما يتم الإعلان عنها) إلى تشكيل تحالف معلن فيما بينها، وأن تخوض نضالاتها وتقرر مواقفها موحدة تحت رايته؟
وإذا كان أهل وطننا محكومين بالأمل كما تأكد ذلك حقيقة وواقعاً، وفي كل الظروف والمنعطفات، فإنهم ينظرون، رغم كل ما تقدم من القول، إلى المحاولة الجزائرية بكل الأمل والتفاؤل. وهم ونحن واثقون أن الجزائر سوف تستحضر وتستفيد من كل المحاولات والاتفاقات السابقة في أكثر من دولة عربية وتبني فوقها، وبالذات تلك التي تمّت في دولة مصر برعاية وجهد مقدر ومشكور من قيادتها، واستعداد متواصل مخلص لدعم كل جهد أو تقديم أيّ وكلّ مساعدات وتسهيلات تكون مطلوبة.
وكلنا في نفس الوقت أمل أن تستفيد التنظيمات المتحاورة بكل تجرد وموضوعية ومسؤولية من كل التجارب والاتفاقات السابقة ونواقصها والأسباب أو القصورات التي أعاقت أو منعت نجاحها، وأن تتحلى بأقصى درجة بالإيجابية، وتكون على الدرجة العليا من الموضوعية والاستعداد للتجاوب مع كلّ ما تتطلبه وحدة الصف الوطني ووحدة النضال الوطني من تنازلات متبادلة.
بصراحة، يجب على كل تنظيم أن يستوعب ويستحضر بكل وعي ومسؤولية أن القضية الوطنية الفلسطينية ومعها أهلها لم تعد في وارد تحمّل وقبول استمرار الانقسام وبلاويه، خصوصاً وهي تراه، إذا ما استمر، يتجه بتسارع يتزايد نحو مصيبة الانقسام الكياني، وخصوصاً أيضاً أن القضية الوطنية الفلسطينية ونضالها الوطني تعيش بتأثير الانقسام حالة من التراجع على المستويين العربي والدولي، ناهيك عن الأزمة المالية التي تنعكس بالدرجة الأولى على المواطن الفلسطيني العادي، وأن المستفيد الأول من هذه الحالة دولة الاحتلال.
لماذا لا يتعامل كل تنظيم مع المحاولة الجزائرية المباركة بمنطق الأمّ في القصة المعروفة قصة «أمّ الولد».