منذ أيام عمره الأولى، اقترنت به متلازمة «واردينبيرغ» التي ورثها من شقيقة والده، فلازمته سماعة الأذن التي تلتصق به أينما ذهب وفي كل مراحله التعليمية، لتكون حلقة الوصل بين وبين العالم الخارجي فيدرك من خلالها حقيقة الأصوات، لكنه تعرض بسببها للعديد من مشاهد التنمر والمعاناة عرقل بعضها طموحاته، حتى أهم أهدافه، بالحصول على عمل ثابت، يضمن مصدر رزقه.
«رفعت» ورث متلازمة «واردينبيرغ» لضعف السمع
محمد رفعت محمد عزوز، 27 عاما، مقيم بمحافظة الإسكندرية، من ضعاف السمع، ولد أصم بشكل كامل، إذ أصيب بمتلازمة «واردينبيرغ» التي ورثها من عمته، خاض رحلة طويلة من كفاح ومثابرة أهله معه وبالأخص والده، الذي سعي ليكون نجله شخصا طبيعيا، إلى أن تمكن من إخضاعه لعملية زراعة قوقعه عام 1997، وتلاها مسيرة طويلة من تعلم التخاطب.
ورغم أن سماعة جوار الأذن التي رافقته طوال عمره، لتمكنه من ممارسة حياته بشكل شبه طبيعي، لكنها كانت السبب الرئيسي في تعرضه للكثير من مشاهد التنمر بمراحل حياته وحتى الآن، إذ ترفضه كل الشركات ومكاتب العمل بمجرد أن يروا السماعة، وفقا لما يرويه «رفعت» في حديثه لـ«».
التنمر بسبب ضعف السمع
بمرارة بالغة يتذكر الشاب السكندري مشاهد التنمر التي تعرض لها في حياته، منذ أن كان في المدرسة الابتدائية حين لم يسمع مخاطبة أحد مدرسيه له: «أنت مين دخلك مدرسة هنا وأنت مبتسمعش اصلا؟ الكليات اللي أنت نفسك فيها عاوزة ناس بتسمع»، ليبتلعها بغصة ما زال يتذكر ألمها: «التقليل من قدراتي لأني ضعيف السمع، والتنمر على إعاقتي كان مصاحبني، من وأنا طفل».
ومع نجاحه في الثانوية العامة وحصوله على مجموع مرتفع ضمن له الالتحاق بالكلية المنشودة، لكن شؤون طلبة الكلية كان لها رأيا مخالفا: «أول ما دخلت الكلية عند شؤون الطلبة كانوا مش مقتنعين، أني إزاي قبلت في التنسيق وأنا لابس القوقعة، وكانوا بيحاولوا وقفي، لكن الحمد لله محاولاتهم فشلت».
الإجبار على ترك العمل بسبب ضعف السمع
وعلى مدار 4 أعوام، تمكن فيهم «رفعت» من مواجهة عدة محاولات لإحباطه والتنمر عليه، بجانب التفوق في قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة، بتفوق وبتقدير جيد جدًا، لذا رشحه أحد أساتذته للعمل كمعيد متطوع بالكلية، وبعد فصل دراسي كامل من ممارسة عمله الذي أحبه، أُجبر على تركه بعد أن تعرض للتنمر: «واحد من الأساتذة في الكلية، طلب مني ترك العمل كمعيد تطوعي، وبالفعل سيبته رغم حب الطلبة الشديد لي واستفادتهم مني».
ومن حينها، لم يستطع خريج جامعة الإسكندرية، الحصول على فرصة عمل بأي شركة متخصصة في الديكور، بسبب سماعته، لذا يمكث في المنزل من 3 سنوات، رغم تقدمه للعديد من مقابلات العمل، لكنه لم يقبل بأي منها بطريقة مهذبة، على حد وصفه: «محدش بيشوف أعمالي في الديكور علشان يقيمني من خلالها، بس بيسألوني إزاي هتسمع وتتعامل مع العملاء، وفي كل مقابلة يقولوا هنتصل بيك بس ولا حد يتصل بيا».
روح محارب
تلك المعوقات المريرة، لم تجبر «رفعت» على الاستسلام، كونه يمتلك روح محارب ظهرت منذ طفولته تمكن بها من تخطيها، ليتغلب هذه المرة على عدم وجود عمل، من خلال تحوله لمصمم حر، رغم ضعف الأجر ومحاولات البعض استغلاله بمبالغ زهيدة: «أعمل بمقابل لا يذكر لا يكفي حتى احتياجاتي اليومية، غير أني شاب ومحتاج لتجهيز شقة وتوفير مصاريف زواج».
كما يحاول مهندس الديكور، مساعدة عدد من طلاب كلية الفنون الجميلة الذين يعانون من ضعف السمع، في فهم واستيعاب دروسهم بشكل أكبر حتى يتمكنوا من التخرج في كليتهم، مثلما فعل قبل أعوام بصورة تطوعيه، متمنيا أن يتمكن من العمل بشكل طبيعي على غرار غيره من الأصحاء.