إذا قدر الله والتقت التنظيمات الفلسطينية في الجزائر، ولم يحدث ما يفسد الميعاد، فإن الواجب الوطني يقضي بأن يبدأ اللقاء بتعريف كل فرد من التنظيمات المشاركة في اللقاء عن بلدته الأصلية في فلسطين، وهل بلدته الأصلية ضمن حدود فلسطين المغتصبة سنة 1948؟ أم ضمن حدود فلسطين المحتلة سنة 1967؟ ففي التعريف الشخصي عن البلدة الأصلية، يكمن الوجع الفلسطيني، وتنفضح أسباب الانقسام الحقيقية، والتعريف عن الأصل هو البداية لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهو النهاية لحالة التشرذم الجغرافي.
للقضية الفلسطينية جذور، ودون العودة للجذر، فكل تقليم للأغصان، وتلقيح صناعي للزهر، وكل تجميل للأوهام، سيظل وهماً كبيراً، لا يعيد شبراً من الأرض، ولا يحمي مقدساً، وسيظل المتحاورون يلفون في الحلقة المفرغة؛ التي تتحدث عن الانقسام كنتيجة، دون قراءة الأسباب السياسية التي أوصلتنا إلى الانقسام، وأولها، قضية الاعتراف بدولة العدو الإسرائيلي، إذ كيف يصير اللقاء والحوار عن إنهاء الانقسام بين معسكرين، معسكر يعترف للعدو بالأرض الفلسطينية المغتصبة سنة 1948، ومعسكر لا يعترف بذلك؟ فمن اعترف للعدو بحقه في 78% من الأرض، استكمل شروط الاعتراف بممارسة التنسيق والتعاون الأمني مع العدو، ويمارس اعتقال وتعذيب كل من لا يعترف للعدو بأي شبرٍ من الأرض الفلسطينية!
سأفترض أن أصل أحد الأشخاص المشاركين في حوارات الجزائر يعود إلى القرى والمدن الفلسطينية المحتلة سنة 1967، فبأي حق يجيز لنفسه ولتنظيمه أن يتنازل عن حق ملايين اللاجئين المهجرين من أرضهم في فلسطين المغتصبة سنة 1948، وإذا كان أصل أحد الأشخاص المشاركين في حوارات الجزائر من فلسطين المغتصبة سنة 1948، فبأي حق يجيز لنفسه أن يتخلى عن أرض الأجداد والآباء مقابل حفنة من الأوهام؟
التعريف بالأصل، والعودة للجذر، والسؤال عن القرية أو المدينة الفلسطينية التي نبت منها المشاركون في حوارات الجزائر مهم جداً، وفي الوقت نفسه محرج جداً، فالدم لا يصير ماءً، ولا يشطب الماضي إلا من فقد الحاضر، والفلسطيني الذي يعيش في غزة أو الضفة أو في فلسطين المغتصبة سنة 48، أو يعيش في الشتات، لا يحلم بحمل الهوية الإسرائيلية، والحصول على رقم وطني من عدوه، ولا ينتظر رغيف خبز مغمس بالمذلة، وإنما يطمح باسترداد وطنه السليب، وهو يثق أن التراب الذي حمل تاريخ أجدادنا، لا بد أن نحمله على أكتافنا، ونحن نحفر انفاق الرجاء للوصول إلى نهاية الانقسام، وتحقيق الوحدة التي نغمس فيها أحلامنا الوطنية، ونحن نرش الفرح والأمل بالعودة على وجوه الصابرين الواثقين.
ملحوظة: حفر جدي أول بئر مياه في قرية بيت دراس سنة 1928، وأنشأ بيارة على مساحة مائة دونم، وكانت مدرسة القرية تُغلق أبوابها في موسم القطاف، ليُشارك الطلاب في لف البرتقال الفلسطيني الذي يصدر إلى أوروبا. وعلى مفارق الغدر والخيانة، مات جدي بعد أربعين عاماً، في مخيم خان يونس للاجئين، سنة 1968، مات جدي في غرفة من القرميد، ولا يمتلك من الدنيا غير فرشة “شرايط” بالية، وبطانية، وبطاقة تموين صادرة عن الأونروا، مات جدي جائعاً عارياً خائباً من العالم الذي تآمر مع الصهاينة على قضيته ، فأخذوا منه كل شيء، وتركوه مع أمثاله بائساً في مخيمات اللاجئين.
حق جدي وأمثالـه وأحفادهم بأرضهم لا يبلى بالتقادم، ولا ينتهي، ولا يحق لأي فلسـطيني مهما كانت صفته أن يتنازل عن حق أجدادنا، ولا يجوز لأي فلسـطيني مهما كانت مرتبته أن يتنكر لحقوق شعبنا التاريخيـة في كل فلسـطين، ليقول لنا: الاعتراف بدولة (إسرائيل) شرط لتحقيق المصالحة الفلسطينية!
الشعب الفلسطيني يصرخ بقضه وقضيضه: لن نعترف بدولة (إسرائيل)، ولن نعترف بأي قيادة فلسطينية تعترف بدولة (إسرائيل).
كاتب فلسطيني