بعباءة سوداء وملامح بسيطة، تقف الفتاة العشرينية «رحاب» على ناصية أحد شوارع حي الدقي بمحافظة الجيزة، وأمامها طاولة خشبية تحمل فوقها كميات من أرغفة الخبز الطازجة تحاول بيعها للزبائن كي تعود في نهاية كل يوم ومعها ما يكفي لشراء الطعام لوالدتها المريضة وشقيقتيها، وهو ما اعتادت فعله منذ نحو 11 عامًا.
رحاب محمود، 20 سنة، من أبناء حي بولاق الدكرور محافظة الجيزة، وتعمل في بيع العيش بأحد شوارع حي الدقي، روّت لـ«»، أنها تعيش مع والدتها المُسنة وشقيقتيها «آلاء» 17 سنة، و«آية» 22 سنة، والتي تعاني من إعاقة ذهنية وضمور في المخ مما سبب لها عجز في الأطراف، مُضيفة أن والداها انفصلا منذ نحو 15 عامًا.
انفصال الوالدين وخروج «رحاب» للعمل في الشارع
«أبويا رمانا في الشارع لما طلق أمي».. هكذا قالت «رحاب» بصوت حزين رغم ثباته وتماسكه، والتي أضافت أنها لا تزال تذهب لوالدها في شقته مع زوجته الثانية لتبره وتطمئن عليه دون أن تأخذ منه شيئًا: «لو عمل فيا إيه برضو ده أبويا وبحبه.. هو آه اتجوز بس برضو لما يكبر لازم هشيله».. كلها كلمات مؤثرة خرجت من الفتاة العشرينية وهي تقف تحاول ترتيب أرغفة الخبز أمامها وتضع بعضًا منها في شنطٍ بلاستيكية.
رحلة طويلة من المعاناة والتعب عاشتها «رحاب» رغم أنها لا تزال فتاةً في العشرين من عمرها، إذ بدأت وهي بعمر 9 سنوات بالعمل في محل آيس كريم، ثم مصنع ملاءات، ثم عاملة نظافة في إحدى الشركات، قبل أن تتردد على العمل في المطاعم ومن بعدها المنازل وأخيرًا لجأت إلى بيع العيش: «اتعودنا نعيش بالحلال»، مُضيفة أنها كثيرًا ما تتلقى كلمات التعاطف والتوبيخ اللين من زميلاتها بسبب خوفهن عليها من العمل في الشارع، إلا أنها لم تجد حلًا آخر تعين به أسرتها على توفير قوت يومهن بالحلال.
رحلة «رحاب» اليومية في العمل
تأتي «رحاب» يوميًا إلى الشارع بدءًا من السابعة صباحًا، وتستمر في بيع العيش حتى وقت الغروب أو ربما العشاء، على أن تعود آخر اليوم بنحو 30 أو 40 جنيهًا تنفقها على شراء طعام لوالدتها المريضة وشقيقتيها «أمي عندها فتاق سري ومحتاجة عملية بـ 10 آلاف جنيه»، مُضيفة أن والدتها تأخذ معاش أبيها – جد رحاب – الشهري والذي يبلغ 700 جنيه، كما أضافت أنهم يعيشن في شقة تحتاج لـ 1500 جنيه شهريًا تشمل الإيجار وفواتير المياه والكهرباء.
«رحاب»: بتصعب عليا نفسي لما أشوف بنات في سني بيتفسحوا
بالرغم من الرضا الذي يستقر في قلب «رحاب»، إلا أنها أحيانًا كثيرة تشعر بالحزن كلما رأت بناتًا في نفس مرحلتها العمرية وهن يخرجن مع أصدقائهن وأهاليهن، في حين تجد نفسها مُضطرة على الوقوف بملابسها البسيطة خلف طاولتها الخشبية طوال اليوم وإلا لن تجد ما تأكله: «أي حد يشوف الحاجة دي لازم نفسيته تتعب»، مُوضحة أنها حصلت على دبلوم تجارة وكانت تتمنى الالتحاق بكلية التجارة والحصول على البكالوريوس، ولكن ضيق الحال منعها.