وأوضح المحاضر ناصر النعيمي أن أوائل هذه المحاولات وردت في الموسوعات الأوروبية التي ظهرت في القرنين السابع عشر والثامن عشر، والتي تحدثت عن بعض علماء المسلمين الذين ساهموا في الفلسفة والعلوم الطبيعية. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأول القرن العشرين ظهر كتابان لهما تأثير كبير في فهم تاريخ الفلسفة الإسلامية، وهما: كتاب المستشرق الفرنسي إرنست رينان «ابن رشد والرشدية»، وكتاب المستشرق الهولندي دي بور بعنوان «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، والذي تُرجم لأربع لغات منها اللغة العربية عام 1937.
وذكر المحاضر أن النتائج التي توصل لها الكاتبان قريبة من بعضها، وهي انحسار التفكير الفلسفي بعد ابن رشد، واختفاء النشاط العقلي في الحضارة الإسلامية، ولكن في تسعينيات القرن العشرين، على خلفية ظهور كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد، ظهرت مراجعات وإعادة للنظر في هذه التصورات للفلسفة الإسلامية، وهذه السرديات الاستشراقية لم تُعد مقبولة في البحث الأكاديمي في الجامعات الغربية المرموقة. على العكس من ذلك، أثبتت الأبحاث الحديثة أن النشاط العقلي في مجال الفلسفة والمنطق والأخلاق كان مستمرًا ونشطًا، وقد كتب الدكتور الألماني فرانك غريفل، الأستاذ في جامعة ييل الأمريكية كتابًا عن تشكل الفلسفة في الحقبة ما بعد الكلاسيكية في الإسلام.
يذكر أن البروفيسور غريفل استغرق في تأليف كتابه المذكور عقدًا من الزمن، وكانت النتائج التي توصل إليها تكشف بأن الفلسفة الإسلامية في الحقبة ما بعد الكلاسيكية لا تقل عن الفلسفة التجريبية البريطانية أو الفلسفة المثالية الألمانية، وأن رواية انحدار النشاط الفلسفي في الإسلام خدمت أهداف الاستعمار وساهمت في تشويه صورة المسلمين وزعمت أنهم متخلفون، وفي حاجةٍ إلى من يخرجهم من جهلهم ولو كان ذلك بالقوة.
كما تناولت المحاضرة دراسات بينية جديدة تربط بين الفلسفة الإسلامية وأصول الفقه، والتي هدفت إلى معرفة جوانب الفلسفة القانونية عند المسلمين، وبين الفلسفة واللغة، ظهرت فيها بعض مناحي الفكر اللساني، وأخيرًا بين الفلسفة والطب. واختتم ناصر النعيمي محاضرته بالقول إن الدراسات في الأكاديميات الأوروبية لا زالت تواصل إنتاج دراسات فلسفية مقارنة بين فلاسفة الإسلام وأوروبا، وبعض الجوانب الجديدة في البحث مثل الذكاء الاصطناعي، وبعض الآراء الفلسفية الإسلامية.