| «عمر» يبدع في صناعة الأواني الفخارية ومحدش له فضل عليه: علمت نفسي بنفسي

ما أن يمسك الشاب العشريني «عمر» بقطعة طين حتى تتحول في لحظات معدودة وبلمسات سحرية من أصابعه إلى إناء فخاري غاية في الجمال، وبالرغم من مروره بصعوبات كثيرة في بدايه عمله، فإنه الآن وبعد أن أصبح الأكثر مهارة في بلدته، يُسخر وقتًا وجهدًا كبيرين لمساعدة وتعليم أبناء قريته وكل من يطلب منه.  

منذ أن كان عمر محمد، طفلًا في الرابعة عشر من عمره، بدأ رحلته في صناعة الفخار، والتي واجه خلالها صعوبات شديدة، إذ لم يرغب من حوله أن يعلموه، فالكل يخاف على رزقه ولا يريد أن يسرق أحدٌ صنعته ومخزون خبراته، إلا أنه وبحسب حديثه لـ«»، زاد تعلُّقه بالمهنة وأحبَّ الطين كثيرًا ورأى فيه أحلامه ليُشكلها كيفما يشاء.

صعوبات واجهت «عمر» في مهنة صناعة الفخار  

في مركز بسيون محافظة الغربية، وتحديدًا في قرية الفرستق، تلك التي اشتهرت بصناعة الفخار والخزف اليدوي، ظل «عمر» يقضي ساعات طويلة من يومه إلى جوار أكوام الطين يتأملها وينتظر اللحظة التي تُطيع فيها أصابعه وتتشكل معها في خضوع واستسلام، ولتَمسُّكه بحلمه ومحاولاته الدؤوبة في تحقيقه، لم تمر سوى سنوات قليلة حتى بادله الطينُ الحبَ، وبات يلبي نداء أصابعه بسرعة ليتحول بلمساتها إلى أشكالٍ مختلفة وجميلة من الأواني الفخارية: «الحمد لله ربنا عوض تعبي، ومحدش له فضل عليا، بالعكس الناس اللي كانت رافضة تعلمني زمان وبتتهرب مني، دلوقتي بيجوا يسألوني على حاجات في الشغل رغم أني أصغر منهم سنًا بكتير».

لظروف مادية لحقت بالأسرة منذ سنوات عديدة، لم يتمكن «عمر» من مواصلة تعليمه، وراح وهو في الصف الخامس الإبتدائي يترك قلمه وكُتبه ليمسك عوضًا عنهم بقطع الطين، كي يُساعد والده المريض بالفشل الكلوي، وبالرغم من كونه معدوم الشهادات التعليمية، إلا أن أصبح الآن بمهنته مَقصَد طلاب كلية الفنون الجميلة ليرشدهم ويساعدهم في مشاريع تخرجهم، بالإضافة إلى استضافته من قِبل أساتذة الكلية لتعليم الخزف اليدوي للطلاب، لتُصبح مهنة الفخار وبعد مرور 14عامًا من صُحبتها، بمثابة اليد الحانية التي تُربت على كتفه وتعوضه عما حُرم منه: «برضه منسيتش حلمي في التعليم ودخلت المدرسة تاني وحاليًا وصلت أولى إعدادي وحلمي أني أدخل كلية فنون جميلة».

مراحل تصنيع الأواني الفخارية

يرى «عمر»، صاحب الـ24 عامًا، أن مهنة صناعة الفخار لعبة مُمتعة، لذا راح يروي بحبٍ أسرارها ومراحل إنتاج الأواني الفخارية: «الأول الطين بيجي عبارة عن بودرة في شكاير، فبنفضيه في حوض ونضيف عليه نسبة مياه معينة، بعدها نطلعه لمرحلة التخمين وهي أننا بندوسه برجلينا كويس جدًا، ونحط عليه نسبة بودرة علشان ينشف شوية».

بعد ذلك تأتي مرحلة العجن، وهي وضع الكتل الطينية في المعجنة ليتم هرسها جيدًا حتى تُصبح بأكملها على مستوى واحد من النعومة، لتكون  بذلك قد أصبحت متأهبة لتلبية أوامر صانعها: «بعدها بنشكلها على الدولاب زي ما إحنا عايزين».

بعد الانتهاء من تشكيل القطعة الفخارية، تبدأ مراحل جديدة لتحويلها إلى إناء صلب جاهز للاستخدام، إذ يتم وضعها تحت آشعة الشمس لمدة ساعة أو ساعتين، ثم تُنقَل إلى مكان مُظلَّل، قبل أن يتم إعادتها إلى «الدولاب» ثانيةً لعمل قاعدة لها، والتي تُسمى «دبلة»، أو «شرد»: «بعد كده بنطلعها في الشمس تاني لمدة 4 أو 5 ساعات وبندخلها الفرن تتحرق في درجة حرارة 950، وتخرج تاخد لون، وبعدين ندخلها تتحرق تاني وتطلع، وبكده تكون خلصت وجاهزة للاستخدام»، وفقًا لـ«عمر».

«عمر»: واخد عهد على نفسي أني أعلم الكل

في نهاية حديثه أوضح الشاب العشريني، أنه تواجهه بعض المعوقات في عمله لقلة الإمكانيات المُتاحة، لافتًا إلى أنه ما يزال لديه الكثير ليُقدمه في مهنة الفخار، وأنه يتمنى امتلاك «أتيليه» لعرض أعمالًا تحمل اسمه: «بيجي لي ناس بأعمار مختلفة من قريتي والقرى اللي حوالينا وبعلمهم مببخلش على حد بحاجة، وهفضل أعلم الكل لأني واخد وعد على نفسي بكده».