أما الشاعر عبدالله الشريف فقال: ربّما لاحترازات الجائحة، أثر سلبي على الحضور لأن المشارك قد يلزم بارتداء الكمامة والتباعد، وتغيّر اهتمامات الناس مع مرور الزمن، فلم تعد الندوات والمحاضرات تعني لهم شيئا ولا توجد محفزات لحضورها، فيما منصات التواصل قد تغني عن الحضور لمن أراد أن يستفيد فعلا من خلال التطبيقات المختلفة، وتُعد هذه الندوات جامدة بمعنى أن عنصر التشويق معدوم تقريبا، بينما المشارك يحتاج إلى التشويق والإثارة، علاوة على أن المهتمين بالمحاضرات والندوات فئة قلة قليلة في جميع المجتمعات حول العالم عامة، وفي مجتمعاتنا على وجه الخصوص.
كوكبة نخبوية معزولة
كاتب الرأي علي العكاسي يرى هذا الهاجس من أهم الظواهر التي يعاني منها المجتمع الأدبي والثقافي، وربّما على مستوى المحيط الخارجي، وبرغم أهمية هذا الاتجاه النخبوي وحجم رسالته في صناعة جيل مثقف وواعٍ إلا أن الحلول لدى أصحاب القرار في أنديتنا الأدبية ومنتدياتنا الثقافية ظلت ولم تزل قاصرة في إحداث نقلة حقيقية للوصول للمتلقي وحتى تخرج هذه الكوكبة النخبوبة من عزلتها داخل منتدياتها ومقراتها عليها أن تتخلى عن أبراجها والذهاب بمناشطها وندواتها وأمسياتها الشعرية والقصصية وغيرها إلى حيث يزدحم حراك الشباب، والعمل على نقل هذه البرامج إلى مسارح الجامعات والتعليم العام وإلى حيث تقام المهرجانات والفعاليات على مستوى المملكة. وأضاف العكاسي: يُعد هذا التوجه في نقل الأمسيات الثقافية للناس في كل الأحوال، كسرا لهذا الحاجز وتسويقا حقيقيا لمنتجنا الأدبي والثقافي بجميع أجناسه، وتحفيزا للمبدعين من الواعدين بالالتفاف حول مؤسساتهم النخبوبة والمشاركة في الرأي والقرار والحضور، حيث الوصول للمتلقي وإشراكه في طرح همومه وتطلعاته، عمل احترافي ومهم لإنقاذ جهل أجيالنا من التسطيح والأمية.
السبب.. الثقافة المعلبة
مشرفة القسم النسائي بفرع هيئة الصحفيين السعوديين في عسير نور آل قيس، في رأيها أن من الأسباب المؤدية للحضور المتواضع والغياب عن الندوات والأمسيات الثقافية والتاريخية غياب الثقة بما تحمله الثقافة وما تقدمه من رسالة سامية للمجتمعات نظرا لانتشار الغوغائية، وسطحية التفكير، والإقبال على ما يسمى الثقافة المعلبة، وهو نتاج ما سببه التلفاز وغيره من وسائل الاتصال، ومحدودية الوعي والجهل لدى فئة عريضة من الجماهير، خاصة الجيل الجديد المشغول بالألعاب الإلكترونية، وتطبيقات الجوال، ومواقع التواصل، فهم غير مهتمين بأي نوع من الثقافة، إضافة إلى التوقيت غير المناسب للفعاليات من قبل المنظمين لها، الذي قد يتعارض في كثير من الأحيان مع فترة اختبارات المدارس والجامعات، وكذلك التعارض بين الفعاليات وعدم التنسيق بين القائمين على الفعاليات، فيقع المتلقي بين نارين وعليه أن يختار إحداهما وبالتالي يغيب عن الثانية.
اهبطوا من أبراجكم العاجية الممثل فيصل الشعيب يقول: يجب أن نتفق على تواضع الترويج الإعلامي للفعاليات، إضافة إلى تشابهها وتكرارها، والأنشطة الثقافية ونخبويتها بشكل أو بآخر، فغالبيتها تكون متخصصة ولها جمهورها الضعيف، وهنا يجب على المهتمين بهذا المجال النزول من أبراجهم العاجية إلى البسطاء. وقال: أضف إلى ذلك انعدام توافر البنية من تنظيم ومواقف وخلافه، واختصار الدعوات على الأسماء ذاتها في معظم الندوات والأمسيات في ظل عدم اختيار أسماء لامعة وبارزة في الغالبية العظمى منها.
تصعيد الأسماء الهامشية
وأوضح الكاتب والإعلامي سلمان عسكر، أن العزوف في منطقة عسير حصرا، ينحصر في سببين، أولهما: المشهد يتصدره أشخاص غير مؤهلين أو مختصين، وتهميش أسماء كبيرة وقوية من أدباء المنطقة، وغيبت أسماء عمالقة، وحشرت أسماء هامشية، حيث وجد بعض الشعراء أنفسهم في مكان الأدباء والمثقفين، وكذلك بعض المرشدين السياحيين، ومنح بعض من لديهم مؤلف أو مؤلفان أنفسهم ألقابا زخرفية، وهنا تخالطت الأمور، وفقدت الثقافة مكانها، وتشوهت سمعتها، والسبب الثاني يرتبط مباشرة بالأول وهو انتحال المهن والقفز على المسميات، وبصراحة انتشر في منطقة عسير بشكل كبير دون غيرها، لعدم وجود تنظيم أو عقوبات رادعة، حيث أصبح الجميع إعلاميين، ومثقفين وأدباء، وهذا فتح المجال لأصحاب الحكايا الشعبية، لذا لزم أن نفرق أولا بين أصحاب الحكايات من جهة والمثقفين والأدباء من أصحاب المزج الأدبي الإبداعي، من جهة أخرى، وعندما نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، سيعود توهج الحضور.
الجيل الحالي.. لا يهتم
المستشار الإعلامي عوض القحطاني، يرى أن هناك عزوفا عن حضور الأمسيات والندوات التي تقام في عدة مواقع في عسير، ولعل السبب الرئيسي يكمن في عدم اختيار أسماء رائدة، ذات محتوى مفيد ومتعارف عليه. وأضاف: لو يتم اختيار عدة أسماء معروفة في عدة مجالات، ربّما سيكون الحضور أكثر لأن ما سيتم طرحه من محاور والرد عليها، سيكون مميزا، ولكن للأسف لم نسمع عن هذا منذ سنوات، على الرغم من إقامة العديد من الندوات والأمسيات حيث الكثيرين لن يحرصوا على حضورها لأنها رسّخت مُسبقا في الأذهان، أن حالها على المنوال المتعارف عليه نفسه ولذا لن تشاهد حتى حضورا متوسطا. وقال: الجيل السابق كان يهتم كثيرا بهذه الفعاليات وما يطرح فيها، وكان الحضور يليق بها، ولكن الجيل الحاضر لا تهمه كثيرا لعدة اهتمامات وهذا سبب آخر ولعله يحاكي الواقع تماما.
مناسبات ومجاملات وكسل
المتحدث باسم فرع هيئة الصحفيين في عسير عبدالرحمن القرني، أوضح أن من الأسباب التي تقف خلف الحضور في الأمسيات الثقافية أو الندوات أو المؤتمرات هو تغيّر نمط الحياة العامة، وهو من أهم أسباب تراجع الحضور، ولعل أحد الأسباب المهمة الشخصيات الثقافية والرمز الثقافي الذي يمتلك إضافة جديدة في مجال الثقافة، وإفادة الحضور لهذا الحدث الثقافي، فلا شك في أن اسم «الشخصية» وشهرته وتجربته وحضوره هي من أهم الأسباب في إنجاح الأمسية الثقافية سواء شعرية أو قصصية، وقد يكون اسم «الشخصية الثقافية»، والرمز الثقافي المعروف واحدا من أهم الأسباب باستقطاب حضور طوعي للاستماع له. وقال: معظم الأندية الأدبية والثقافية اعتادوا استضافة أحد المثقفين من باب المجاملة الاجتماعية لإقامة أمسية، فهدف الأول تنفيذ برنامج معد في خطة النادي. وكذلك المشهد الثقافي بشكل عام لم يَعد كما كان عليه قبل بضع سنوات في ظل ما حدث من انفجار تقني عبر التواصل الاجتماعي الذي غزا العقل البشري وغير نمط الحياة وأوقعها بالكسل الروحي والجسدي الذي تمكّن منهم بعد أن وجدوا البديل الافتراضي لمتابعة تلك الأمسيات عبر قنوات اليوتيوب والبث المباشر لكل شيء ولأي شيء، جعلهم لا يكلفون أنفسهم بالحضور لقاعات الأندية الثقافية أو المهرجانات، والتراجع في حضور الأمسيات الثقافية لا يقتصر على منطقة عسير بل مناطق المملكة وربما في الأقطار العربية، فالانفجار الفضائي والمعلوماتي بشكل عام، أصبح مسيطرا على العقول البشرية.