لماذا تقع بعض الأمهات فريسة لاكتئاب ما بعد الولادة؟ (تقرير)

كتبت- ندى سامي:

رسم-سحر عيسى:

تقع بعض الأمهات فريسة لما يعرف باكتئاب ما بعد الولادة الذي يسلب منها فرحتها بالمولود الجديد، تتغير الحياة وتتبدل ساعات النوم، تختفي اهتمامات وتزيد مهام، تشعر وكأنها في منأى عن العالم من حولها.. التقرير التالي يستعرض الأسئلة التي تدور رأس الأمهات حول شبح اكتئاب ما بعد الولادة.

– ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟

اكتئاب ما بعد الولادة PPD هو مزيج من التغيرات الجسدية والعاطفية والسلوكية التي تحدث لبعض النساء بعد الولادة، وفقًا لـ DSM-5 وهو دليل يستخدم لتشخيص الاضطرابات العقلية، فإن PPD هو شكل من أشكال الاكتئاب الشديد الذي يبدأ في غضون 4 أسابيع بعد الولادة، لا يعتمد تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة على طول الفترة الزمنية بين الولادة وبداية الأعراض فحسب بل على شدة الاكتئاب .

يرتبط اكتئاب ما بعد الولادة بالتغيرات الكيميائية والاجتماعية والنفسية التي تحدث عند الإنجاب، يصف المصطلح مجموعة من التغيرات الجسدية والعاطفية التي تمر بها العديد من الأمهات الجدد، يمكن علاج اكتئاب ما بعد الولادة بالأدوية والاستشارة.

تتضمن التغيرات الكيميائية انخفاضًا سريعًا في الهرمونات بعد الولادة، العلاقة الفعلية بين هذا الانخفاض والاكتئاب ما زالت غير واضحة، لكن ما هو معروف أن مستويات هرمون الاستروجين والبروجسترون تزداد عشرة أضعاف أثناء الحمل، ثم تنخفض بشكل حاد بعد الولادة بعد ثلاثة أيام إلى ما كانت عليه قبل الحمل.

بالإضافة إلى هذه التغيرات الكيميائية، فإن التغيرات الاجتماعية والنفسية لإنجاب طفل تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب .

تعاني معظم الأمهات الجدد من “الكآبة النفاسية” بعد الولادة، حوالي 1 من كل 10 من هؤلاء النساء ستصاب باكتئاب أكثر حدة وطويل الأمد بعد الولادة، حوالي 1 من كل 1000 امرأة تصاب بحالة أكثر خطورة تسمى ذهان ما بعد الولادة، وفقًا لـ “CDC”

– كيف أعلم أنني مصابة باكتئاب ما بعد الولادة؟

تقول الدكتورة ليلى رجب، استشاري الصحة النفسية، تختلف الأعراض وحدتها بين السيدات، ولا يشترط أن تمر الأم بجميع تلك الأعراض، وحددت أبرزها فيما يلي:

-مشاكل في النوم

– تغيرات الشهية

– التعب الشديد

– انخفاض الرغبة الجنسية

– تغيرات مزاجية متكررة

وتوضح ” رجب” أن مع اكتئاب ما بعد الولادة تأتي هذه الأعراض جنبًا إلى جنب مع الأعراض الأخرى للاكتئاب الشديد، والتي ليست نموذجية بعد الولادة، وقد تشمل:

-عدم الاهتمام بالطفل أو الشعور بعدم الارتباط به

– البكاء طوال الوقت، غالبًا بدون سبب

– الغضب الشديد

– فقدان الشغف تجاه أي شئ

– الشعور بانعدام القيمة واليأس والعجز

– خواطر الموت أو الانتحار

– أفكار لإيذاء شخص آخر

– صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات

– لماذا تصاب أمهات باكتئاب ما بعد الولادة؟

تشير استشاري الصحة النفسية أن بالإضافة للاضطرابات الهرمونية التي تحدث وقت الحمل وبعد الولادة، هناك عدد من العوامل المتعلقة بالصحة النفسية والتي تزيد من فرص التعرض لاكتئاب ما بعد الولادة وهي:

-وجود تاريخ من الاكتئاب قبل الحمل أو أثناء الحمل

-كلما كانت الأم أصغر سنًا كانت أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب

– كلما زاد عدد الأطفال لدى الأم زادت احتمالية إصابتك بالاكتئاب في فترة الحمل المتأخرة

– وجود تاريخ عائلي من اضطرابات المزاج

– المرور بحدث مرهق أو مؤلم مثل فقدان الوظيفة أو أزمة صحية أو فقدان شخص

– إنجاب طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة أو المشاكل الصحية

– إنجاب توأم أو ثلاثة توائم

– وجود تاريخ من الاكتئاب أو الاضطراب المزعج السابق للحيض (PMDD)

– افتقار الأم للدعم

– الخلافات الزوجية

ويضف الدكتور محمد عزت استشاري الطب النفسي، أنه لا يوجد عامل واحد لاكتئاب ما بعد الولادة بجانب التغيرات العاطفية والنفسية، قد تطرأ بعض المشكلات الجسدية نتيجة الحياة الجديدة التي تقبل عليها الأم ومنها:

– الحرمان من النوم يعد دافع قوى لإصابة الأم بالاكتئاب

– شعور الأم بالقلق حيال وجود طفل صغير هي مسؤولة عنه وعن احتياجاته وسلامته، يزيد شعورها بالخوف والحزن.

-شعور الكثير بالغضب تجاه التغيرات الجسدية نتيجة زيادة الوزن وتمدد الجلد، مما يعكس صورة سيئة عن الذات تزيد الشعور بالاكتئاب.

– هل هناك أنواع لاكتئاب ما بعد الولادة؟

هناك ثلاثة مصطلحات تستخدم لوصف التغيرات المزاجية التي يمكن أن تحدث للمرأة بعد الولادة، وفقًا لـ مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها:

-يحدث ما يعرف بـ “الكآبة النفاسية” لما يصل إلى 70٪ من النساء في الأيام التي تلي الولادة مباشرة، قد يكون لدى الأم تقلبات مزاجية مفاجئة مثل الشعور بالسعادة الشديدة ثم الشعور بالحزن الشديد، قد تبكي بدون سبب، قد تستمر الكآبة النفاسية لبضع ساعات فقط أو قد تستمر من أسبوع إلى أسبوعين بعد الولادة، عادة لا تحتاج الأم لعلاج ولكن تكون في حاجة للدعم النفسي من المحيطين.

وهناك اكتئاب ما بعد الولادة (PPD)، يمكن أن يحدث بعد أيام قليلة أو حتى أشهر بعد الولادة، ولا يرتبط بولادة الطفل الأول بل يحدث بعد قدوم أي طفل. تستمر الأعراض لأسابيع وأشهر وقد تعيق الأم عن تأدية مهام الحياة العادية والروتينية وتحتاج الأم لعلاج.

وهناك ما يعرف بالذهان التالي للوضع هو مرض عقلي خطير للغاية يمكن أن يصيب الأمهات الجدد، يمكن أن يحدث بسرعة غالبًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة، ويعرض الأم لفقد الاتصال بالواقع وقد تصاب بهلوسة سمعية وبصرية، وتحتاج الأم لإشراف طبي مختص بالمستشفى ووضعها تحت المراقبة.

– كيف تتعافى الأم علاج من اكتئاب ما بعد الولادة ؟

يقول الدكتور محمد عزت استشاري الطب النفسي، إنه يتم التعامل مع اكتئاب ما بعد الولادة بشكل مختلف اعتمادًا على نوع الأعراض ومدى شدتها، ومدة حدوثها، وهناك العديد من الخيارات التي تخضع لها الأم وفقًا لحالتها وهي كالتالي:

-خيارات العلاج: الأدوية المضادة للقلق أو مضادات الاكتئاب، وذلك الخيار آمن وقد يكون ضروري للكثير من الأمهات، ويؤكد “عزت” أنه لا يوجد قلق من تناول الأدوية التي يراعي الطبيب مدى تأثيرها والآثار الجانبية لها، ويتم تناول الدواء وفق ضوابط محددة يقرها الطبيب ويتم متابعة الأم، ويرجى أن تحظى الأم بدعم ومساعدة خاصة في الأيام الأولى لتناول الدواء حيث توقع حدوث بعض الآثار الجانبية.

– مجموعات الدعم النفسي: هي أكثر طرق العلاج سهولة وتعطي نتائج جيدة م الكثير من الأمهات، إذ تشعر الأم أنها ليست الوحيدة التي تمر بتلك الحالة، وتساعد مشاركة الأفكار والمشاعر على التخفيف من وطأتها.

– جلسات العلاج النفسي، عن طريق جلسات فردية مع الأم بشكل منتظم باستخدام العلاج المعرفي السلوكي الذي يعمل على مساعدة الأم على فهم ما تمر به وإيجاد سبل لمقاومة الألم

– في حالة ذهان ما بعد الولادة، عادة ما يتم إضافة الأدوية المستخدمة لعلاج الذهان، غالبًا ما يكون الدخول إلى المستشفى ضروريًا أيضًا.

– هل يمكن الوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة؟

“الوعي خير سبيل للنجاة” هكذا قالت الدكتورة ليلى رجب مضيفة أن وعي الأم بطبيعة المرحلة التي تمر بها، واحتمالية تعرضها لنوبات من الحزن يجعلها دائمًا يقظة وحذره من السقوط في بئر الاكتئاب، يأتي الوعي عن طريق القراءة وسؤال الطبيب واستشارته.

وحددت استشاري الصحة النفسية بعض الطرق الوقائية التي قد تقي الأم من التعرض لاكتئاب ما بعد الولادة:

-طلب المساعدة والدعم من المحيطين مثل الزوج والأم والأخت والأصدقاء، وتقسيم المهام دون الشعور بخجل أو ضعف.

– التعبير عن المشاعر حتى لو كانت سلبية وتبدو غير منطقية للبعض مثل عدم الفرحة بالحمل.

– استشارة طبيب نفسي مختص عند ملاحظة أعراض الحزن والضيق.

– محاولة الحصول على قدر مناسب من النوم، ويمكن الوصول لذلك عن طريق مساعدة الآخرين.

– التواصل مع الأهل والأصدقاء وتجنب العزلة.

– عدم امتناع الأم عن جميع الأنشطة والممارسات التي كانت تقوم بها بقدر المستطاع.

– ممارسة الرياضة في المنزل لمدة بسيطة في اليوم.