| «صنعة» من 70 سنة.. «طلبة» أقدم ترزي جلاليب صعيدي في الأقصر: هفصل لحد ما أموت

ركن جانبي متفرع من الشارع الممتد بطول سوق إسنا بمحافظة الأقصر، يصدح منه صوت التروس الدائرة لماكينة خياطة يجلس عليها مسن، يُعيد تشكيل «أتواب» القماش بحرفة وإتقان شديدين، كما لو كان فنانا يمسك بريشته ليحدد ملامح لوحته، كلما اقترب المترجل على قدميه من مصدر الصوت اتضح له جلياً حرفته، ليُخرج «محمد طلبة» من تحت يديه الجلباب الصعيدي بأشكاله المختلفة «كما يقول الكتاب».

ورشة الحاج طلبة بجوار معبد إسنا التاريخي في الأقصر

داخل ورشته الصغيرة التي تجاور معبد إسنا الفرعوني بمحافظة الأقصر، يجلس العجوز الثمانيني «طلبة» أمام ماكينة الخياطة، التي طبع الزمن آثاره عليها، تحاوطه أتواب القماش، وفتلات الخيوط والإبر بأحجام متفاوتة في محله الصغير، اشتهر «طلبة» بحرفته بين أهالي مدينة إسنا، لاحترافه تفصيل «الجلاليب الصعيدي»، الزي الرسمي للرجال: «من 70 سنة وأنا عمري 10 سنين نزلت المحل مع أبويا واتعلمت ومليش شغلانة غير الخياطة»، بحسب ما قاله في حديثه لـ«» من داخل ورشته، بينما كان يسابق الزمن لتسليم طلبات زبائنه قبل حلول الشهر الكريم.

شب المُسن الصعيدي وشاب في السوق التاريخية الشهيرة بمحافظة الأقصر، حتى بات له زبائنه يأتون إليه من بعيد، ثقةً فيما تصنعه يديه: «اسمي وشغلي ارتبط مع أهل المكان وخصوصا في المناسبات وقبل شهر رمضان بيزيد الطلب»، كما يقول العجوز الذي ملأ الشيب شعره وخط الزمن خطوطاً على كفيه.

أنواع الجلاليب الصعيدي وها حسب المناسبات

«جلابية بلدي، وشريعي، وعربي»، أشكال مختلفة من الجلاليب الصعيدي يعرف الحاج «طلبة» طريقة حياكة كل واحدة منها بمهارة، فلكل واحدة منها زبون «كبار السن مثلا بطلبوا الجلابية البلدي أكتر، والشباب طلبهم الأكتر على الجلابية العربي» وحتى الأطفال يرتدون الجلباب الصعيدي في المناسبات المختلفة.

 

تختلف الجلاليب بسبب المناسبات، بحسب رواية العجوز الإسناوي، فالجلابية السوداء في المناسبات الحزينة والبيضاء في الأفراح وصلاة الجمعة: «كل رجالة الأقصر متمسكين بالزي الأصلي بتاع بلدنا لحد دلوقتي».

مبكرا وقبل أن ترتفع حرارة أشعة الشمس، يبدأ طلبة يومه في ورشته، يستقبل زبائنه بابتسامة معهودة تكشف عن أسنان متساقطة من العجز، ملأ الشيب رأسه وارتسمت خطوط الوهن العريضة على وجهه ولا يزال حريصا على مهنته حتى بات الأقدم في تفصيل الجلاليب الصعيدي في مدينته، اختلاطه بزائري معبد إسنا والسوق التاريخية شكل لديه قاعدة عريضة من الزبائن بعضهم من خارج المحافظة يأتون إليه دون غيره كلما جاءوا في جولة سياحية للمكان، «حفظت طلبات زبايني وهما عارفين شغلي كويس»، مختتما حديثه بقوله «لحد ما أموت هفضل محافظ على المهنة دي».