رعد وضياء ومحمد وابراهيم وأيمن…

إليها… إلى العاصفة التي وعدتني صغيرا بعينين زرقاوتين ودمية منحوتة من خشب الزيتون  ثم هجرتني كبيرا عندما يبسـت سنابل القمح في وادي الشمال..حيثما ذهبت لا زالت أقدراي معلقة بضفيرتيك، روحــي معك، والعهد مع البندقية لا زالا  في نفس المكان الذي ودعتك فيه … تحت الشجرة المباركة دائمة الخضرة…. حددي موعد النهاية، أرسلي مهمتي  الأخيرة وأحكمــي ساعة الصفر، سأكون ثابتا قرب ثواني الخاتمة ، وحيثما تختارين تكون حياتي … أريد كل بلادي أو لاشــيء .. سأعود إليك ودوما سأعود إليك وفيا ثائرا كما ربيتني صغيرا وقتلتني كبيرا، وحيث تنادين سأجيبك ومعي كل الأوفياء !

تشبه حكايتنا مع الصهاينة بالون الألم والوجع الذي يستمرون في نفخه ويحبس قهرنا ومكابدتنا مع الأنظمة العربية واستمرار خذلانها لكل القضايا المصيرية، ثم يأتي دبوس صغير من فلسطين لا يحسب له أي حساب  لينفس كل المؤامرة ويعيدها إلى نقطة الصفر في كل مرة .
 كانت عملية الخضيرة وبني باراك قد منحت قوى الأمن الصهيوني كامل المبررات لاستنفار واستدعاء كل قواه وخططه الأمنية التي يتباهى بها ويصدرها على شكل استشارات وخبرات مدفوعة للجماعات الخائنة المتعطشة للعشق الاسرائيلي ، ومن الواضح جيدا أن كل ذلك لم ينفع وأن هنالك قوة ما لدى الشعب الفلسطيني أقوى وأعتى بكثير من كل الحسابات العسكرية والسياسية والمادية ، وهذه القوة اسمها قوة الحق وصاحب الأرض والقضية والمصيروالتاريخ  ، في كل مرة يتمدد فيها النفوذ الصهيوني خارج كيانه ليربط عقدة الاحتلال ويوسع المساحات التي تخضع لهيمنته  وسيطرته  يعود ليكتشف أنه لم يتمكن بعد من إحكام سيطرته ومطلق حساباته على الأرض الأساسية التي يعتبرها أرض الميعاد .
عقب عملية البطل رعد تقول أخبار العدو بأنه قرر ضرب قواعد التنظيمات الفلسطينية في جنين التي أصبحت مصدر الكابوس الأسرائيلي المتجدد وتلوح النذر بإقتحام المخيم  ، سؤالنا لهم : لو ضربتم جنين فماذا بشأن غــزة ؟ وماذا بشأن رام الله وبئر السبع ؟ هل نسيتم أيضا أحياء القدس ؟ ماذا ستضربون كي تضربون ؟ وكم ستقتلون من هذا الشعب الذي جربتم فيه كل شيء وكل نهج للموت والإذابة ولم تنجحوا ؟
لم تعد المسألة الان قضية شعب حي وقضية تتدفق في عروق الأرض من تحت الرماد، لم تعد المسألة رسالة للمقاومة الفلسطينية كي تتوحد أو تباشر نشاطها من جديد ،  القضية اليوم هي رسالة حياة لمن بدأوا يشعرون بالموات ورسالة إنذار جديدة وخاتمة  للخونة والعملاء بأن كل جيوش الأرض لن تحميكم ولن تشفع لكم ، ورسالة لكل أبناء فلسطين وأبناء العرب قاطبة بأن قضية فلسطين هي مفتاح تحرير كل بلادكم وكل حقوقكم وكل حياتكم  والأدلة ها هي ذا بين أعينكم.
من أجل ماذا فعل رعد عمليته البطولية ولأجل من فعل ذلك؟ كان الجيل القديم من الشهداء يقدمون حياتهم فداءا لفلسطين ويصفق كل العرب لذلك، اما الجيل الجديد من الفدائيين الفلسطينين من مثل ضياء ورعد  إنما يدخلون الان مرحلة جديدة من الدفاع عن كل قضايا العرب وكل بلاد العرب بعد أن أصيب  العرب بالحرج  حتى من التصفيق  وتحولوا بصحبة المتأسرل المنقلب اردوغان إلى صف المنددين، ليس لدينا اليوم قضية فلسطينية، بل لدينا قضية لكل بلد عربي بإسمه وجسمه لأننا مرشحون وبقوة لشهية الثعبان التلمودي وابتلاع بلادنا بالكامل على يد هؤلاء ، فلسطين ليست سوى فاتحة الشهية ولكنها ليست حد الشبع  وما اتفاقيات التطبيع والخيانة التي تملأ صفحاتنا هذه السنوات إلا موطىء القدم العسكري الاسرائيلي نحو العواصم العربية هذا إذا لم تكن قد احتلتها سياسيا بالفعل ، لدينا قضايا عربية عديدة ولكن العدو فيها واحد وهذا هو ما يقاتله رعد وضياء وكل شهداء فلسطين.
تباهى قادة الكيان ولعدة مرات بأن تل أبيب تحولت إلى نقطة جامعة في الشرق الأوسط وأنها أصبحت محجا وبؤرة إقليمية وأستانة العالم الاسرائيلي الجديد ، ومشى هؤلاء مثل الطاووس في ريشه في حضرة الزعماء والحكام الذين فرشوا لهم السجاد العجمي فرحين بما آتاهم التطبيع من فضله  ولكن السؤال الكبير من هو صاحب القرار وصاحب الكلمة الأخيرة في صناعة التاريخ ؟ من هم  الذين يمتلكون مفاتيح التغيير الحقيقي ويقررون كيف تذهب الأمور؟
في مثل هذه الحالات حين لا يكون إلا الصمت أبلغ متحدث يخرج التاريخ الحكيم الماكر عن صمته الزجاجي ليقول  بأن العظماء هم وحدهم القادرون على تغيير مجرى الأحداث بمجرد كلمة أو إيماءة صغيرة من أطراف أصابعهم، أمثال هؤلاء الذين يحدثنا عنهم التاريخ لا يمتلكون مثل هذا القدرة السحرية العجيبة لأن لديهم آبار النفط ولا لأنهم تربوا في الحلي والنعيم ولا لأنهم يمتلكون تريلوينات الدولارات في بنوك أمريكيا والغرب ولا لأنهم يشترون الأسلحة الطائرة والزاحفة ولا لأنهم أبناء قبائل عريقة تكاثرت مثلها مثل الحشرات لمدة مئات السنين في بقعة جغرافية ، ولا لأنهم يلبسون العباءات المذهبة أو الديباج والسندس ولا لأنهم يحظون بشرف مصافحة ترامب  وبايدن ونتانياهو بحرارة وصداقة ظافرة… هؤلاء يمتلكون القدرة على التغيير لأنهم أصحاب مواقف مشرفة لايهزهم حجم العدو ولا جبروت أسلحته ولا عظم جيشه ولا سعة تحالفاته وأحزابه وسطوته، هؤلاء يمتلكون المكانة والهيبة لأنهم أصحاب إنتماء حقيقي لهويتهم وزمانهم ومكانهم وشعوبهم ، هؤلاء يحترمهم التاريخ والشجر والحجر ومن عاصر المرحلة لأنهم إذا وعدوا أوفوا وإذا عاهدوا صدقوا ما عاهدوا عليه، هؤلاء هم من ندعوهم بأصحاب مراكز الثقل والقوة والتأثير وهم الذين يشكلون تاريخ الأمة ومسار الأحداث وكل من عداهم مجرد حشوات ديكورية فارغة ليس لها من وظيفة سوى التهريج وقرع الطبول، هؤلاء هم من أمثال ضياء ورعد والقافلة التي لا تتوقف من أبناء فلسطين الفدائيين الشرفاء والذين يصنعون التاريخ الحقيقي.
رهاننا اليوم يقع على ثوابتنا التي ما تزال تحفظها قلة قليلة ، تلك الفئة التي تحفظ العهد جيدا في قلبها وروحها وتنتظر اللحظة المناسبة بصمت وألم.. رهاننا على ثوابتنا التي تحملها هويتنا العربية و الاسلامية وكل شموليتها الفكرية……. رهاننا على الحب الكبير لفلسطين وكل أوطاننا التي نخاف عليها من القسمة أو الدمج كغنائم لأطماع الصهاينة الجدد ومن والاهم وخدمهم .. رهاننا على كرامتنا وخوفنا من أن يحكمنا أبناء القردة والخنازير وعصاباتهم الجديدة التي كفرت بالله والوجودية والإنسانية وآمنت بعقيدة الشيطان والخراب… رهاننا على أيدينا وما نكتب وما نصنع وما نزرع وما نربي عليه أبناءنا من قيم الحياة الصحيحة والعيش الصحيح بكرامة واجتهاد ونفع ، رهاننا على شعب فلسطين الذي لا يخسر رهانه أبدا وشبابه الذي لم يخلق مثله في البلاد، إنه الرهان الوحيد المتبقي بعد هذه السنوات العجاف التي لا نعرف ما ستنجب وما ستأتي به لكننا سنعلن اننا على العهد باقون مهما اختلف فقهاء التفسير والتحليل… رعد أيهـا الصوت القادم من السـماء لقد  أفقدتهم قدرتهم على الســمع ولكنك أعدت إلينا البصر والفؤاد… رعــد أيها الصوت المسبح في سماء الله  واصل طريقك وكن مع الخالدين!
كاتب فلسطيني