إسرائيل في سباق مع الزمن تصعد وتخطط وتضع الاستراتيجيات لمواجهة تصاعد الفعل المقاوم في الضفة الغربية والقدس ، مع زيادة واضحة في جرعات الاعتداءات الوحشية والاقتحامات والاعتقالات من اجل كسر إرادة الفلسطينيين والظهور بمظهر القوي المتحكم الممسك بزمام الأمور .
عملت دولة الاحتلال خلال عقود من زمن على فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة عمليا وميدانيا ، وتعزيز الانقسام الفلسطيني وتخريب جهود المصالحة عبر ادواتها داخل السلطة الفلسطينية ، بالتوازي مع استراتيجية قديمة جديدة عنوانها تدجين الضفة الغربية ، والعمل على هدوء دائم في مدنها . ورغم تمزيق اليمين الإسرائيلي المتطرف لاتفاق أوسلو بالكامل ، الا انه حافظ على الشق المتعلق بالتنسيق الأمني بين أجهزة امن السلطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية بهدف التحكم بالضفة الغربية ومنع أي نمو للمقاومة المسلحة داخلها ، كهدف مباشر ، ومن ثم استكمال قضم الأراضي في مدن وقرى الضفة وخنقها بالمستوطنات ، وتقطيع اوصال المدن ، وتحويلها الى كانتونات معزولة ، لا تصلح لاقامة دولة مع السيطرة الكاملة على القدس وتوحيدها تحت سلطة الاحتلال . هذه هي الحسابات الإسرائيلية فيما يخص الضفة الغربية ، والتي اعتقدت خلال عهد دونالد ترامب ان صفقة مثل “صفقة القرن” قد تكون تتويجا لهذه الاستراتيجية .
مقابل هذه الخطط الشيطانية التي ينتهجها كل احتلال عبر التاريخ . تتجدد مقاومة الشعب الفلسطيني ، وينهض الفعل المقاوم والمسلح منه على وجه التحديد في الضفة الغربية ، وتواجه إسرائيل احتمالات انهيار استراتيجياتها التي بنتها لعقود . ووفق ذلك تتخبط الحكومة الإسرائيلية ، محاولة إعادة عقارب الساعة الى الوراء .
اعادت العمليات الفدائية الفلسطينية الأخيرة في قلب دولة الاحتلال أجواء الرعب التي عاشها الاحتلال ومستوطنوه في التسعينيات وصولا الى العام ٢٠٠٢ حين اضطرت إسرائيل لاجتياح مدن الضفة الغربية ولاحقا قتل ياسر عرفات بالسم وازاحته ، وبعدها استكملت مشروع تدجين الضفة ، وظنت ان المشروع باق للابد ، وان الضفة باتت خارج حسابات القلق والرعب الاستراتيجي . الا ان هذا العام كان منعطفا هاما ، كشف عن مشهد اشبه بالكابوس لإسرائيل .
قيامة الضفة الغربية ، وولادة فدائيين من شقوق ارضها قلب الحسابات . ليس هذا فحسب بل على إسرائيل الاستعداد لمواجهة سيناريو اخطر عليها . ففي الضفة الغربية الظاهر انه يجري العمل الدؤوب لنقل نموذج غزة من حيث القدرات العسكرية والخبرات القتالية ، والجغرافية المحرمة على القوات الإسرائيلية الى مدن في الضفة الغربية . من المدرك والصحيح ان ظروف قطاع غزة تختلف عن الضفة . لكن خصوصية المنطقة تفرض كذلك خصوصية الابتكار في تحصين نقاط الردع في وجه دولة الاحتلال . وان لم تكن الضفة هي طبق الأصل عن غزة من حيث التسلح وبناء القدرة وحرية الحركة ، بيد ان الوصول الى معادلة الردع عينها في الضفة والقطاع في وجه قوات الاحتلال قد تصبح في متناول اليد خلال مدة ليست طويلة . ومن نافل القول ان عملية طعن بالضفة الان بالنسبة لإسرائيل تعادل اطلاق رشقة صواريخ من غزة بمفهوم معادلات الردع والتأثير .
وقد وأثبتت كل التجارب العملية في السنوات الماضية ، ان محور المقاومة بكل اطرافه لا يلعب ولا يجلس على مقاعد المتفرجين حيال التطورات في فلسطين والاقليم . وان العمل النوعي والتخطيط الاستراتيجي ، متواصل في الليل والنهار ولسنوات ، لتدفيع إسرائيل ثمن الاحتلال والغطرسة والاجرام تجاه الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة . ما يمكن تأكيده هنا ان التنسيق عال المستوى بين اطراف محور المقاومة ، لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل .
ربما يكتمل مشهد قيامة الضفة الغربية والقدس ، بعصيان الأجهزة الأمنية والشرطة الفلسطينية التابعة للسلطة أوامر قادة الاحتلال ونفر من مسؤولي السلطة المستفيدين من هذه العلاقة الحرام مع سلطات الاحتلال ورمي عقيدة دايتون ودعسها بالبسطار العسكري ، ورفض التنسيق الأمني مع الاستخبارات الإسرائيلية ، وعدم التعرض للمقاومة او ملاحقة المقاومين ، بل الدفاع عن الشعب المطالب بحقه في الحرية والكرامة ، وزوال الاحتلال عن ارضه . وهنا تبرز مسؤولية فتح ، التنظيم الأكبر والاوسع انتشارا في صفوف أبناء الشعب الفلسطيني ، فتح اليوم تقف في خندق الشعب ، ولكن عليها مسؤوليات يجب القيام بها في اللحظة ، وفيها من القادة والمناضلين ما يكف لاتخاذ القرار .
الشعب الفلسطيني وقواه الحية في الطريق الصحيح ويراكمون الإنجازات ، وفي صفهم اطراف محور المقاومة ، والشعوب العربية كافة ، بما فيها شعوب الخليج العربية ، وبقية احرار العالم . الضفة الغربية ستكون مثل قطعة الجمر بيد قادة إسرائيل في المرحلة المقبلة ، وسوف يترحمون على المواجهات التي خاضوها مرارا مع المقاومة في قطاع غزة . وحتى لو تدخل الوسطاء لإنقاذ إسرائيل واستعملوا ذات اللعبة المكررة للتهدئة ، فان ذلك لن يفيد ولم تعد تلك الوصفة تنفع الا كحبة مسكن مؤقت ، فقيامة الضفة الغربية لن تنته الا بزوال الاحتلال .
كاتب واعلامي