| الحاجة «صابحة» 65 عاما في مستعمرة الجذام: «حياتي كلها مأساة ونفسي أطلع الحج»

في مستعمرة الجذام بالخانكة، ونحو 65 عامًا، خلف أسوار العنابر الخرسانية الصماء، عاشت الحاجة صابحة منذ عمر السابعة، بعد أن باتت ملفوظة من المجتمع لا لشىء إلا المرض، وتُضفى على أرجاء غرفتها لحظات طويلة من الصمت والهدوء، وذلك بعد أن غاب الأمل عن وجهها الشاحب المنعزل عن العالم الخارجي وسط تلك البنايات التي تعلوها لافتة «مستعمرة الجذام».

وعلى أحد المقاعد الخشبية بجوار غرفتها، تجلس «صابحة» أقدم نزيلة بالمستعمرة، ترى الأشياء مشوشة بعد أن أفقدها الجذام معظم نظرها، إلا أنّ الدموع تتسلل إلى عينيها عند بدء الحديث عن حياتها داخل المستعمرة: «عايزة تعرفي إيه عن حياتي دي كلها مأساة ووجع قلب»، قالتها صاحبة الـ72 عامًا لـ«» التي ظلت تستعيد الماضي تارة بدموع وأخرى بتنهيدات مريرة.

صابحة داخل مستعمرة الجذام منذ عمر السابعة

وعلى مدى دقيقتين بين الصمت والدموع، استعادت ابنة محافظة الشرقية لحظة دخولها المستعمرة وهي ابنة 7 أعوام، بعد أن تركها والدها ثم انصرف إلى زوجته و3 صغار آخرين، أشقاء من الأب فقط، وبعد وفاة والدها الذي كان يزوها بين الحين والآخر لم يتبقَ لـ«صابحة» سوى «رقية» حبيبتها وصديقتها ونور عينيها، بحسب ما وصفتها.

لم يُحالف «صابحة» أن وجدت رفيقًا للعمر، فـ عزفت عن الزواج رغم كثرة طالبيها من داخل المستعمرة من أجل صديقتها «رقية» التي كانت تكبرها بنحو عشر سنوات تقريبًا، وتسبب الجذام في فقدانها لبصرها تمامًا، وفارقت الحياة منذ نحو عام، لتدخل الأولى في نوبة بكاء شديدة فـ تروي لـ«»: «أنا رفضت الجواز عشان رقية حبيبتي، أنا كنت إيديها ورجليها وعينيها اللي بتشوف بيها، وهي أول واحدة احتضنتني وربيتني لما جيت هنا».

لم تتزوج «صابحة» إلا أنّ رجلًا من مرضى الجذام يكبرها بأعوام كثيرة، عقد قرانها دون الدخول بها، فلم تُنجب الأطفال: «فيه راجل كبير في السن كان فاقد بصره وكنت بخدمه زي رقية، كتب عليا عشان أخد معاش السادات وقتها 7 جنيه».

كانت رقية أمًا لـ صابحة في الصغر، إلا أنّهما تبادلا الأدوار بعد أن ضعفت الأولى وجلست على إحدى الكراسي المتحركة حتى وافتها المنيّة في شهر يونيو الماضي، لتترك صديقة عمرها تذرف الدموع عليها بعد أن ضاقت عليها الدنيا بما رحبت بعد رحيلها، ليتردد عليها شقيقها من الأب على فترات متباعدة داخل المستعمرة: «أخويا بيجيلي كل فين وفين، بس ياريته مايجيش تاني، أنا زعلانة منه عشان معزمش عليا أجي معاه بعد وفاة حبيبتي رقية».

صابحة تحلم بزيارة بيت الله الحرام للمرة الثالثة

وعلى الرغم من الحياة المريرة التي عاشتها المرأة السبعينية داخل مستعمرة الجذام، إلا أنّها سعيدة وراضية، وتتمنى زيارة بيت الله الحرام للمرة الثالثة، بعد أن زارته مرتين على فترات متباعدة بمساعدة أهل الخير: «أنا طلعت عمرة مرتين؛ مرة مع رقية ومرة لوحدي، ونفسي أطلعها تاني عشان مش هقدر أطلع الحج».

أفقدها الجذام معظم أطرافها، إلا أنّه لم يُفقدها بشاشة الوجه والابتسامة خفيفة الظل، وتلازمها كلمات الحمد لله كلما تحدثت: «أنا حياتي كلها قضيتها هنا، مبسوطة وراضية ومش عايزة حاجة من ربنا غير الستر».