حكم القنوط واليأس من رحمة الله

جدول المحتويات

ما هو حكم القنوط واليأس من رحمة الله في الإسلام، فالمسلم يعلم علم اليقين أنّ رحمة الله تعالى واسعة لا يحدّها شيء، وعلى ذلك فمن المحال لمن آمن بالله تعالى أن ييأس من رحمته أو أن يقنط منها، وفي هذا المقال يتوقف موقع لبيان حكم القنوط واليأس من رحمة الله تعالى، إضافة للوقوف على بعض الموضوعات المهمة الأخرى التي ترتبط بعنوان المقال الرئيس وهو اليأس والقنوط.

حكم القنوط واليأس من رحمة الله

قال العلماء إنّ حكم القنوط واليأس هو أنّهما محرّمان وهما من الكبائر، ومنها ما يخرج الإنسان من الملّة، ولكنّهما عمومًا من الكبائر، وقال العلماء إنّها أشدّ تحريمًا من الكبائر الظاهرة، وقد جعلهما الإمام القرطبي في المراتب بعد الشرك بالله في الكبائر، وقد نُقل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّه قال: “الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله، والأمن من مكر الله”، والله أعلم.[1]

شاهد أيضًا: هل يجوز قتل النمل في المنازل؟

علاج القنوط من رحمة الله

لقد وضع العلماء عددًا من الوسائل التي يمكن أن تعين المسلم على أن يبتعد عن القنوط من رحمة الله تعالى ويبقى في فسحة من دينه وأمله بالله تعالى، ومن تلك الوسائل ما يأتي:[2]

  • العلم بأسماء الله تعالى وصفاته والإيمان بها: فالعلم بأسماء الله وصفاته والإيمان بها وخاصة التي تدلُّ على الرحمة والمغفرة والكرم والجود تجعل المسلم لا ييئس من رحمة الله وفضله.
  • حسن الظن بالله تعالى: ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: “أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً”،[3] ويقول تعالى في حديث آخر: “يا ابنَ آدمَ! إنَّك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كانَ منكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لوْ بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لوْ أنَّك أتيتَني بقُرَابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشركْ بي شيئًا لأتيتُك بقرابِها مغفرةً”.[4]
  • الإيمان بالقضاء والقدر: فمتى يعلم المسلم أنّ ما أصابه هو من عند الله تعالى وحده فإنّه يرتاح قلبه، والله تعالى يقول: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.[5]
  • الصبر عند حدوث البلاء: فقد ذم الله تعالى اليائسين عند المصائب واستثنى من ذلك الصابرين على البلاء؛ يقول تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}.[6]
  • الدعاء مع اليقين بالإجابة: فقد امتدح الله تعالى عبده ونبيه يعقوب عليه السلام حين دعا بلسان المؤمن الواثق بالإجابة بعدما أصابه ما أصابه في غربة ابنه فقال تعالى حاكيًا عن يعقوب عليه السلام: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ، وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}،[7] وقال صلى الله عليه وسلم: “لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ قيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ما الاسْتِعْجَالُ؟ قالَ: يقولُ: قدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذلكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ”،[8] والله أعلم.

شاهد أيضًا: ما هو حكم الطلاق البدعي وما الفرق بينه وبين الطلاق السني

القنوط من رحمة الله في الكتاب والسنة

لقد ذمّ الإسلام القنوط واليأس من رحمة الله تعالى الواسعة التي قد وسعت كل شيء، وجاء ذلك في عدد من الآيات القرآنية الكريمة وعدد من الأحاديث النبوية الشريفة، وفيما يأتي وقفة مع تلك الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي صحّت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يأتي:

شاهد أيضًا: ما هو حكم بيع العينة ومعناه

القنوط من رحمة الله في القرآن الكريم

جاء الحديث عن القنوط واليأس وذمهما في كثير من الآيات القرآنية، ومنها:

  • قوله تعالى: {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}.[9]
  • قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}.[10]
  • قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ ۚ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.[11]
  • قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}.[12]
  • قوله تعالى: {لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}.[13]

شاهد أيضًا: حكم متابعة إمام الصلاة في افعال الصلاة

القنوط من رحمة الله في السنة النبوية

ورد في السنة النبوية بعض الأحاديث التي تذم القنوط واليأس في صحيح السنة النبوية، ومن ذلك:

  • قوله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَومَ خَلَقَها مِائَةَ رَحْمَةٍ، فأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وتِسْعِينَ رَحْمَةً، وأَرْسَلَ في خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً واحِدَةً، فلوْ يَعْلَمُ الكافِرُ بكُلِّ الذي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ، ولو يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بكُلِّ الذي عِنْدَ اللهِ مِنَ العَذابِ، لَمْ يَأْمَن مِنَ النَّارِ”.[14]
  • قوله صلى الله عليه وسلم: “لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ ما عِنْدَ اللهِ مِنَ العُقُوبَةِ، ما طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، ولو يَعْلَمُ الكَافِرُ ما عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، ما قَنَطَ مِن جَنَّتِهِ أَحَدٌ”.[15]

شاهد أيضًا: حكم المحافظه على اذكار الصباح والمساء

الفرق بين القنوط واليأس

لقد اختلف العلماء في معاني اليأس والقنوط والفرق بينهما، وأشهر تلك الأقوال ما يأتي:[16]

  • القول الأول: أنّ ظاهر الآيات القرآنية تدل على أنّ اليأس أشدّ من القنوط؛ إذ قد وصف القرآن الكريم أهل اليأس بالكفر فقال تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}،[17] بينما حكم على أهل القنوط بالضلال فقال تعالى: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}،[18] ومعلوم أنّ الضلال قد يكون كفرًا، وقد يكون دون الكفر.
  • القول الثاني: أنّه لا فرق بينهما، وأنّ وصف أهل القنوط بالضلال، ووصف أهل اليأس بالكفر لا يدل على الفرق بينهما؛ إذ قد يقال للكافر ضال كذلك كما في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.[19]
  • القول الثالث: أنّ معنى اليأس انقطاع الطمع من الشيء، والقنوط أخص منه، فهو أشد اليأس.
  • القول الرابع: أنّ اليأس استبعاد زوال المكروه، والقنوط استبعاد رحمة الله سبحانه وتعالى، واستبعاد حصول المطلوب، وغير هذه الأقوال الكثير، والله أعلم.

شاهد أيضًا: الفرق بين الرحمن والرحيم

وإلى هنا يكون قد تم مقال حكم القنوط واليأس من رحمة الله بعد الوقوف على الحكم الشرعي في هذه المسألة مدعومًا بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة حول ذلك.

المراجع

  1. ^
    dorar.net , حُكم اليأْس والقنوط , 04/06/2022
  2. ^
    dorar.net , الوسائل المعينة على التخلص من اليأْس والقنوط , 04/06/2022
  3. ^
    صحيح البخاري , البخاري، أبو هريرة، رقم الحديث: 7405، حديث صحيح.
  4. ^
    الجامع الصغير , السيوطي، أنس بن مالك، رقم الحديث: 6047، حديث صحيح.
  5. ^
    سورة الحديد , الآية: 22
  6. ^
    سورة هود , الآية: 10 11
  7. ^
    سورة يوسف , الآية: 86
  8. ^
    صحيح مسلم , مسلم، أبو هريرة، رقم الحديث: 2735، حديث صحيح.
  9. ^
    سورة الحجر , الآية: 55 56
  10. ^
    سورة الروم , الآية: 36
  11. ^
    سورة الزمر , الآية: 53
  12. ^
    سورة الشورى , الآية: 28
  13. ^
    سورة فصلت , الآية: 49
  14. ^
    صحيح البخاري , البخاري، أبو هريرة، رقم الحديث: 6469، حديث صحيح.
  15. ^
    صحيح مسلم , مسلم، أبو هريرة، رقم الحديث: 2755، حديث صحيح.
  16. ^
    islamqa.info , الفرق بين اليأس والقنوط , 04/06/2022
  17. ^
    سورة يوسف , الآية: 87
  18. ^
    سورة الحجر , الآية: 56
  19. ^
    سورة الفاتحة , الآية: 7