يمتهن بعض الفلسطينيون احيانا الاساءة الى اصدقائهم وحلفائهم في تعبير صارخ عن مزاجية الشك والخوق التي صاحبتهم طوال 74 عاما من مسيرة لجوئهم وقهرهم الغير مسبوق .
ما دفعني للكتابة اليوم هو تلك الهجمة الرسة التي تتعرض لها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الاونروا” من البعض ومحاولة التشكيك في دورها وقيادتها دون ادراك لعواقب تلك المحاولات التي تتساوق بسذاجة مع الداعين لتصفية الاونروا وخدماتها وتحت ادعاء الحفاظ على المؤسسة ومنع اهيارها وتسليم خدماتها للاخرين.
لا يختلف اثنان من العاملين في المجال الانساني على اهمية دور الاونروا في حياة الفلسطينينين ودورها في تعليم ملايين الفلسطينيين والحفاظ على قضيتهم من الاندثار والا لما كانت الحملة ضدها بهذه الشراسة ومحاولة تجفيف مصادر تمويلها والتشكيك بدورها واتهامها بالفساد في تنفيذ شبه حرفي لما اراده كوشنير صهر ومستشار الرئيس ترامب حين قررت الادارة الاميريكة قطع التمويل عن الوكلة حيث كتب كوشنير يومها بان الاونروا عائق أمام السلام وتطيل الصراع مستشهدا بما يقوله بعض الفلسطينيين من داخل المؤسسة وما يغردونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد برامجها القديمة والحديثة.
وربما من المفيد ايضا ان يعرف الجميع ان التغيرات السياسية والجيوسياسة في المنطقة والعالم باتت تنعكس سلبا على واقع الاونروا وتمويلها حيث اصبحت تمويل الوكالة الاممية اكثر عرضة للتغيرات السياسية ومدى رضى الاحزاب المنتخبة ذات التوجهات اليمينية عن اداء الاونروا وقد لاحظما ذلك جليا في تخفيض بريطانيا واستراليا لنصف مساعداتها للاونروا فيما تراجع الدعم العربي الى تسعين في المائة عما كان عليه في العام 2014.
ومما يثير القلق وحتى الرعب لدى الكثير من المتابعين والمحللين السياسيين هو احتمال عودة الجمهوريين للحكم في اميركا بعد عامين من الان والذي يعني حتما قطع المساعدات عن الاونروا والتي اعادتها الادارة الديمقراطية الحالية فيما تبلغ تلك المساعدات حسب بيانات “الوكالة” 320 مليون دولار لهذا العام 2033 اي ما يعادل 35% من ميزانيتها.
وحسب ما قاله مفوض الاونروا السيد لازاريني والمعروف أمميا وعالميا عنه بأنه مناصر قوي للفلسطينيين بان الدعم العربي للاونروا للعام 2021 لم يتجاوز 3 % من ميزانيتها العامة.
الوضع المالي الحرج للاونروا تطلب التدخل العاجل من صديق الشهيد “ياسر عرفات” وشريكه في تاسيس الاشتراكية الدولية السيد الامين العام للامم المتحدة “غوتيرس” الذي تحدث مع قادة دول الخليج لحثهم على دعم الاونروا وبرامجها محذرا من خطورة تراجع برامج الاونروا وخدماتها وتاثيره على الاستقرار والامن الاقليميين.
التخوفات من المستقبل وما قد يحدث دفعت مفوض الاونروا “لازاريني” الى تكثيف حراكه وزياراته لعواصم الدول لحثها على تقديم مساعداتها فيما بادر بالاجتماع حتى باعضاء من الاحزاب المعارضة لتوضيح خطورة تخفيض او قطع المساعدات عن “الوكالة” نتيجة التغيرات السياسية التي قد تحث هنا او هناك.
ويقول الناشط الصهيونى “بيدين” ان الوقت قد حان لجعل الفلسطينيين انفسهم يقررون تصفية الاونروا فهي التي زادت معاناتهم واصبحت مصدرا لتعاستهم متهما قيادة الاونروا الحالية بانها تعيش وهم تطبيق قرارات الامم المتحدة وبالذات بعد ان تحدث لازاريني في مؤتمر بروكسل العام الماضي عن قرارات الامم المتحدة وضرورة تطبيقها جميعا بما فيها قرار 194 اذا كان المجتمع لا يريد تمويل الوكالة وبرامجها.
الصدام مع المنظومة الاممية والدول المانحة التقليدية وغير التقليدية لن يفيد احدا وسيؤدي حتما في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة الى الاضرار بصورة دراماتيكة بقضة اللاجئين الفلسطينيين.
ومن غير المسوح ان يقوم الفلسطينيون انفسهم باغتيال الاونروا فيما يتجند مفوضها العام لازاريني والامين العام للامم المتحدة السيد غوتيرس وطاقمه والدور الكبير للملكة الاردنية الهاشمية ووزير خارجيتها ايمن الصفدي لانقاذ المؤسسة من مؤامرة باتت واضحة للعيان عبر خفض تمويلها لدرجة عدم تطبيق تفويضها.
ومن هنا فان تدخل الرئيس عباس الحاسم والقوى الفلسطينية الفاعلة مطلوب وضروري لوقف حالة التنمر ضد الاونروا والتي باتت ملامحها واضحة ولا تخفي على احد.
كاتب وباحث فلسطيني – نيويورك