فيديريكو كاربوني، الشهير بـ«ماريو»
التفكير في الانتحار عادة ما تواجهه المجتمعات بالتوعية الطبية والنفسية، رافضة فكرة محاولة شخص إيذاء نفسه أو إنهاء حياته، لكن في واقعة غريبة تسببت تفاصيلها قي تصدرها قائمة التريندات بمنصات التواصل الاجتماعي، استطاع أول مريض إنهاء حياته بطريقة قانونية في إيطاليا وبموافقة سلطات بلاده.
ما القصة؟
القصة المرتبطة بإنهاء شخص حياته بموافقة سلطات بلاده تعود إلى شخص يبلغ من العمر 44 عامًا يُعرف فقط باسم «ماريو»، الاسم المستعار للمريض، وكان يسعى قبل أكثر من عام لإنهاء حياته من خلال الانتحار بمساعدة طبيبه وأهله، بعد سلسلة من المعاناة الناتجة عن إصابته بالشلل قبل 12 عامًا في حادث مروري.
تفكير «ماريو» بالانتحار في بداية الأمر واجه سلسلة من العقبات القانونية، وفقًا لما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير مفصل، والتي أشارت خلاله إلى هويته الحقيقة بعدما أنهى حياته بالفعل في منزله في مدينة سينيجاليا الساحلية بوسط إيطاليا، عن طريق حقنة مميتة قام هو بالضغط عليها عن طريق أصبعه الوحيد الذى يمكن تحريكه.
اسم «ماريو» الحقيقي هو فيديريكو كاربوني، لم يسبق له الزواج لكنه كان محاطًا بأسرته وأصدقائه والأشخاص الذين ساعدوه في تحقيق هدفه بالانتحار، بما في ذلك المسؤولون في جمعية Luca Coscioni، والتي عبارة عن مجموعة مناصرة للحق في الموت والتي ساعدت «كاربوني» أثناء الأشهر الـ18 الماضية وأعلنت وفاته.
كيف جاء إعلان الوفاة؟
في مؤتمر صحفي بعد ظهر يوم الخميس الماضي، قرأت فيلومينا جالو، السكرتيرة الخاصة بالجمعية المناصرة للحق في الموت، من رسالة كتبها «كاربوني» الشهر الماضي، تفاصيل معاناته: «لا أستطيع أن أنكر أنني نادم على ترك الحياة، فسأكون كاذبًا وأكذب إذا قلت غير ذلك لأن الحياة رائعة ولدينا حياة واحدة فقط.. لكن لسوء الحظ هذه هي الطريقة التي سارت بها الأمور».
وقالت «جالو» إن «كاربوني» كافح حتى مع تدهور صحته، موضحة: «أراد فيديريكو أن يمارس حقه في الاختيار في إيطاليا، وكان يدرك أن مقاومته ستكون حقًا وحرية يمارسها الجميع».
ماذا واجه الراحل قبل إنهاء حياته؟
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، إن قضية «كاربوني» جاءت في ظل سلسلة من التناقضات والقيود المفروضة على التشريع الإيطالي التي كان نشطاء الحق في الموت يتحدونها لعقود.
وفي وقت سابق، أعلنت محكمة إيطالية أن المساعدة الطبية على الانتحار مسموح به في إيطاليا في ظل ظروف محدودة معينة ولكن لا يوجد تشريع يكرس هذه الممارسة، الأمر الذي عطل فكرة الانتحار والموت بالنسبة لـ «كاربوني»، حيث كان الخيار أمامه وقتها السفر إلى سويسرا من أجل إنهاء حياته، لكنها رحلة مكلفة وفي معظم الحالات صعبة جسديًا.
وقال ماركو كاباتو، أمين صندوق جمعية Coscioni، إنه عندما اتصل به «كاربوني» لأول مرة منذ عامين، كان يخطط للذهاب إلى سويسرا لإنهاء حياته لكن بعد ذلك قرر البقاء في إيطاليا، متابعا: «إن هذين العامين من العناد والتصميم أتاح لـ كاربوني أن يفخر بأنه أول شخص في إيطاليا يحصل على مساعدة طبية من أجل الموت».
كيف سمح القانون بإنهاء الحياة؟
في عام 2017، أقر البرلمان الإيطالي قانونًا يمنح البالغين الحق في نهاية العمر بمساعدة طبية بناء على حالتهم الصحية، بما في ذلك الشروط التي يمكنهم بموجبها رفض العلاج المنقذ للحياة فضلا عن رفض طرق الحفاظ على الحياة من خلال التغذية الاصطناعية، والترطيب والتهوية.
وفي حكم تاريخي صدر في عام 2019، قالت المحكمة الدستورية الإيطالية إن المساعدة على الانتحار لا يمكن اعتبارها جريمة طالما تم استيفاء شروط معينة.
وطُلب من المحكمة أن تحكم في لائحة الاتهام الموجهة إلى «كاباتو»، الذي ساعد في عام 2017 ، رجلاً كفيفًا ومصابًا بشلل رباعي على أجهزة الإنعاش القلبي في الذهاب إلى عيادة سويسرية تقدم المساعدة على الانتحار.
وحينها، اتُهم «كاباتو» في محكمة ميلانو بالتحريض على الانتحار، وتصل العقوبة هنا إلى 12 عاما، لكن في النهاية قضت المحكمة الدستورية بأنه في بعض الحالات لا يمكن اعتبار مساعدة شخص ما جريمة، طالما أن الشخص الذي يطلب المساعدة قد استوفى شروطًا معينة، وهي: يجب أن تكون لديه القدرة العقلية الكاملة وأن يعاني من مرض عضال يتسبب في ضغوط جسدية أو نفسية شديدة لا تطاق، كما كان لابد من إبقائه على قيد الحياة من خلال العلاجات التي تحافظ على الحياة.
وحثت المحكمة البرلمان الإيطالي على تمرير تشريع يتضمن هذه المبادئ، ويناقش المشرعون أحدها، ولكن حتى ذلك الحين يكون حكم المحكمة ملزمًا قانونًا.