تطور صورة الصهيونية في العالم العربي وأوروبا..

العالم العربي كان كله محتلا من جانب القوى الاستعمارية وهي التي روجت للصهيونية، وبريطانيا تعهدت المشروع وتولت زرع إسرائيل وقمع الفلسطينيين وتمكينها من المنطقة العربية، وتعتبر واشنطن هي الأخرى أن التمكين من تأييد احتلال الأرض العربية واغتصاب القدس من الانجازات الأمريكية الهامة في المنطقة.
لم تكن الحركة الصهيونية واضحة في البداية   بل قدمت نفسها على أنها حركة تهدف إلى تحرير اليهود من الاضطهاد عن طريق الهجرة من البلاد المضطهدين فيها وحتى عام 1948، وقيام إسرائيل وطرد الفلسطينيين  وظهور مشكلة اللاجئين إقليميا ودوليا التبس على الطبقة المثقفة القائدة للعالم العربي في مصر.
فقد اعتقد طه حسين ان الحركة الصهيونية جمعية خيرية ودعا إلى دعمها والتبرع لها فقد عاش طه حسين حتى أدرك حقيقة الصهيونية، كما وقع في نفس الفخ من قبله الأستاذ لطفي السيد خلال الحرب العالمية الأولى التي شهدت استمرار الهجرة اليهودية من روسيا وأوكرانيا منذ أواخر القرن التاسع عشر.
ولا شك أن طه حسين كان يعلم بالضرورة تحامل الحركة الصهيونية على السلطان عبدالحميد في تركيا حتى يوافق علي الترخيص لها بالاستيلاء على فلسطين، كما أنه كان يعلم بالضرورة بالثورة العربية الكبرى الموجهة ضد تركيا العثمانية  والتي ايدت الصهيونية والتي دعمها الإنجليز ولم يعارضها سوى التيارات الإسلامية المبكرة في الحركة الوطنية عند مصطفى كامل الذي كان يدعو إلى دعم الدولة العثمانية لمجرد أنها ضد الإنجليز ولم يكن مصطفى كامل بأي حال تداخله مشاعر واتجاهات إسلامية قبل نشأة جماعة الإخوان المسلمين عام 1928.
كان طه حسين يدعم الحركة الصهيونية ولا أصدق أن الجهل بطبيعتها هو التفسير لموقفه كما أنه لا توجد مؤشرات على أن الحكومة المصرية وطه حسين كان وزيرا فيها كانت منحازة سياسيا للحركة الصهيونية بل إن الدعاية البريطانية دفعت البسطاء إلى التعاطف مع هذه الحركة خاصة بعدما عانى اليهود في ألمانيا عام 1939، على يد هتلر وهذا موضوع يحتاج إلى تحقيق تاريخي منصف بعيدا عن الإرهاب الصهيوني.
على الجانب الآخر، اعتبر العقاد الصهيونية خطرا على البشرية مع النازية والشيوعية وأوضح العلاقة بين هذا الثلاثي بنظرة أكثر عمقا، ويبدو أن العلاقة بين هذا الثالوث كانت واضحة لكن الرابط بينها تعثر.
وعندما تم حصار الفالوجا وشباب الجيش المصري فيه سلطت الصحافة المصرية الأضواء على الحركة الصهيونية على نحو ما فصلته الدكتورة عواطف عبدالرحمن، في كتابها “الصحافة الصهيونية في مصر”، ولم يفك الحصار إلا باضطرار مصر إلى توقيع اتفاقية الهدنة في فبراير 1949، والتنازل ضمنيا عن “أم الرشراش” )إيلات( بدليل عدم مطالبة مصر بها فيما بعد.).
وعندما تولى جمال عبدالناصر بعد أن خلصت له السلطة عام 1954، بدأت شعارات القومية تترى وبدأ معها معاداة الصهيونية، وهو الشعور الشعبي المصري المعادي للصهيونية خلال عمليات الجيش المصري ضد العصابات الصهيونية عام 1948، واستقبال مصر للأفواج الأولى من اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة.
أما بعد انتشار الشعارات القومية فقد زاد العداء لإسرائيل والحركة الصهيونية دون ان يهتم النظام بجمع المعلومات عنها خاصة وأن الجيش المصري ذهب إلى فلسطين دون ان يعرف العدو وتسليحه ومواطن قوته ومع ذلك سجل محمد رفعت باشا بأن الجيش أبلى بلاءا حسنا.
وبلغت حساسية النظام ضد إسرائيل أن تم تجريم الاستماع إلى إذاعة إسرائيل او بي بي سي المنحازة لإسرائيل.
وعندما توفى جمال عبد الناصر بدأ أنور السادات مرحلة جديدة لكن لم يجرؤ على نزع العداء الشعبي لإسرائيل رغم تصاعد التقارب المصري الإسرائيلي بعد حرب 1973 خاصة وان السادات حظر نقد هذا التقارب ودفع المعارضون الثمن من حريتهم واضطهادهم بحجة انتهاك قانون العيب المشبوه وهو يماثل القانون الامريكي الذي يصدر بعد قليل ليجرم مناعضة التقارب والتطبيع مع السرطان الصهيوني، ومع صدور قانون الجنسيةعام 1975تضمن اتجاهات معادية للصهيونية حتى ان عقوبة المخالف كانت إسقاط جنسيته وظل هذا القانون ساريا حتى الآن، رغم كامب ديفيد والسلام والتنسيق الأمني ورعاية واشنطن للروابط الوثيقة بين مصر وإسرائيل.
أما في الدول العربية الأخرى فكانت سوريا والأردن ثم العراق بها قوانين تعادي الصهيونية.
ويناقش في الكونجرس الأمريكي قانون يعتبر مناهضة الصهيونية جريمة ويمكن أن تسعى واشنطن إلى تصعيد التجريم لكي يكون دوليا.
أما أوروبا فقد أُرغمت على احتضان الصهيونية بقانون “جيسو” الفرنسي الذي عمم على الاتحاد الأوروبي.
وعندما قررت الأمم المتحدة عام 1975 أن الصهيونية جريمة عنصرية وتم تجريم العنصرية عام 1973، وكان عام 1975، زخما عربيا أعقب حرب 1973، وارتفاع أسعار النفط ولقي صدى في الداخل العربي بتقرير إجراءات المقاطعة العربية ضد إسرائيل.
أما الآن، فقد فرضت واشنطن الصهيونية على العالم العربي فلم يعد الصهيوني يهوديا، وإنما يمكن أن يكون عربيا مسلما على النحو الذي فصلته ريجينا الشريف في كتابها “الصهيونية غير اليهودية” الصادر مترجما ضمن سلسلة ثقافية  عدد اول ديسمبر 1985.
فنحن بحاجة إلى أن نعيد الصهيونية في المنطقة إلى صورتها الحقيقية البشعة التي تعادي العروبة والإنسانية.
ولا شك أن جريمة معاداة السامية تقررت لحماية الصهيونية ومنجزاتها وتحصين التصرفات والجرائم الإسرائيلية.وسوف نعالج موضوع معاداة السامية والاسلاموفوبيا بالتفصيل في مقالات لاحقة.
كاتب ودبلوماسي مصري