| «عصام» ترك الهندسة ليعمل فى «دق النحاس»: «بحبها زى عشق روميو لجولييت»

اعتبر عصام الشاذلى أن حرفة تشكيل النحاس، ليست مجرد مهنة عادية، فقد عشقها لدرجة أنه تخلى عن عمله فى مجال الهندسة بعد التخرج، وقرر التخصص فيها، وسط دهشة المحيطين به من أقاربه وأصدقائه، لكنه لم يأبه بدهشتهم فـ«دق النحاس»، كما يطلق على المهنة بين أهالي الإسكندرية، سلب عقله كما سلبت «جولييت» عقل «روميو» بحسب وصفه.

«ليه استنى لما شركة توظفني، لما أنا عندي فرصة إني اشتغل في اللي بحبه واكسب منه كمان».. كلمات عصام الشاذلي يقولها بينما هو يعمل فى تشكيل المعادن والنحاس في سوق الجمعة بالإسكندرية.

يصف «عصام» 48 عاما، سر امتهانه حرفة دق النحاس بدلا من العمل فى مجال الهندسة بعد تخرجه من الكلية بجامعة الإسكندرية أنها بالنسبة له كعلاقة «روميو وجوليت» قائمة على الحب والشغف، ولكن الفرق أنه يريد لقصته نهاية سعيدة من خلال نجاح مهنته وتطوير الحرفة من جديد: «زي ما روميو بيحب جوليت وبيكاسو بيعشق الرسم، أنا كمان بالنسبة لي الرسم على النحاس بالدق، فن بعشقه، وبيوصل معاني جميلة».

عصام بدأ العمل في دق النحاس وعمره 10 سنوات

ورث «عصام» حب مهنة تشكيل النحاس، أبا عن جد، فعائلته تعمل فى هذه المهنة منذ 100 عام، حيث تعلم جده على يد حرفى بريطاني كان يعيش فى مصر خلال فترة الاحتلال الإنجليزى، وبعدها وًرث الجد مهنته لأولاده، ما جعل عصام يبدأ تعلم المهنة وهو لا يزال فى عمر الـ10 سنوات: «مهنة الدق بالنسبة لنا زى الدم بيجري في عروقنا من أول ما نتولد، وحرفة تميزت بها عيلتنا أو بمعنى اصح، هي هويتنا اللى بنعتز بيها ويفخر بيها أى حد شغال في حي الدقاقين».

على الرغم من حب عصام لـ«دق النحاس»، الذي يصفه بـ«روميو و جولييت حى الدقاقين»، لكنه يواجه الكثير من المصاعب في مهنته منها أسعار الخامات المرتفعة، وعدم وجود الوعي بين الناس بأهمية فن تشكيل النحاس: «المنتج اليدوي لازم يكون له الناس اللى بتقدره ويحتل مكانة مهمة وسط شغل المصانع، لأن حرفة دق النحاس لا يمكن أن تظهر بالشكل المتقن الجميل إلا إذا تم صنعه بيد بشرية تعشقه».

عصام: أخشى أن تنقرض المهنة لأنها صارت مكلفة

ولم يخفي «عصام» خوفه، من أن الصعوبات التى تواجه المهنة، خطر يجب مواجهته، وإلا ستكون سببا في انقراضها مستقبلا، بسبب زيادة الاعتماد على الاستيراد، وهو ما يتسبب فى ارتفاع أسعار المنتج النهائي بشكل يفوق الوصف: «الحرفة بقت مكلفة لكل من الحرفى والمستهلك، وبالتالى ده هيخلى الكل يتخلى عنها،لأن الحرفي بيدفع وقت وجهد ومال كبير ومش بيلاقى مقابل كويس، أما الزبون بيرفض يشترى علشان شايف السعر غالي والنتيجة أن مهنة دق النحاس هتصبح فى طي النسيان وده اللى نفسي ميحصلش».

وحسب ما ذكره عصام فإن تكلفة الخامات تسببت بالفعل في إغلاق نحو 60 ورشة عمل دق النحاس من 60 ورشة في حي الدقاقين فى الإسكندرية ليصبح مجموعة الورش المتبقية 5 فقط، وهو ما يهدد بانقراض الحرفة في سوق الجمعة تماما مثل ما حدث لحي الدقاقين بالقاهرة والذي تم تغييره بالكامل إلى حي العطارين بالحسين، مقترحا أن يتم تصنيع المواد الخام في مصر، قائلا: «لو احنا صنعنا المواد الخام في مصر هنبقى بنضرب عصفورين بحجر منتجات مصرية، سعر أقل، وجودة أعلى والمنافسة تكبر».

أمام هذه الصعاب يشير «عصام» إلى أن ما يمنحه الأمل هو تحرك الدولة الداعم للحرف اليدوية، والذي ظهر فى افتتاح وزارة الثقافة 18 محل للحرف اليدوية بقيمة 756مليون جنيه عام 2020 مع تضمين حرف تشكيل المعدن في برامجهم ، وتدشين مبادرات مثل «صنايعية مصر» بالإضافة إلى إقامة المعارض لتلك المهن كل فترة فى ربوع مصر.