مَنطق ومفهوم الإنتظار لدى كلّ المُعتقدين بأن هناك قدر إسمه “أمريكا” وحده القادر على إيجاد الحلول لمنطقة تعيش مُنذ عدة عقود صراعات لا تنتهي ولن تنتهي في المدى المنظور، فقد إنتظر الكل تقريبا ذهاب الرئيس الشعبوي “ترامب”، فهنا كان الإنتظار بهدف وقف “صفقة القرن” وعودة سياسة ومفهوم الدولتين بمجيء إدارة “بايدن” للبيت الأبيض، وهناك إنتظروا الذهاب لكي تعود أمريكا للإتفاق “النووي”، وفي “أوروبا” إنتظروا العودة للسياسات التقليدية لِ “واشنطن” خاصة بما يتعلق بحلف “الناتو”، بينما دول كَ “الصين” و “روسيا” و “إسرائيل” تعلم أن مُحددات الإستراتيجية الأمريكية تختلف في مَنهج وأسلوب وطريقة التنفيذ أكثر من كونها تغييرات جذرية لطبيعة تلك الإستراتيجية.
شعار “أمريكا أولاً” في السياسة الخارجية الأمريكية مارسه الرئيس “ترامب” بشكل فَجّ وبعنجهية وسطوة القوة مُعلناً أن هناك ثمن لحماية أمريكا لأي دولة وأن على جميع هذه الدول أن تَدفع للإقتصاد الأمريكي مالاً وصفقات إقتصادية مقابل ذلك، في حين تُمارسه إدارة الرئيس “بايدن” بالقوة الناعمة وبمفهوم إدارة الصراع وخلق الأزمات وتخويف الحُلفاء وبالذات من “روسيا” و “الصين” و “إيران” و “كوريا الشمالية” ومقابل ذلك تبقى أمريكا مُسيطرة ومُهيمنة وقادرة على قيادة العالم وعبر إستمرار سياسة العقوبات الإقتصادية التي مارستها كل الإدارات الأمريكية السابقة.
زيارة “بايدن” في “يوليو-تموز” القادمة لمنطقتنا العربية تأتي في سياق تثبيت سياسات التحالفات التي تخدم الإستراتيجية الأمريكية المُتَمثّلة بإعتبار جمهورية “الصين الشعبية” ومعها “روسيا” على أنهما الخطر الإستراتيجي الواجب مواجهته، وبما يستدعي خلق تشكيلات أمنية وإقتصادية قادرة على خدمة إستراتيجيا “واشنطن”، في “أوروبا” حُسمت المسألة وتوحّد “الناتو” في مواجهة “روسيا” كنتيجة لما يجري في “أوكرانيا”، النتائج الأولية تُشير إلى كارثة إقتصادية ستعاني منها “اوروبا” ككل والعالم بسبب التضخم وإرتفاع الأسعار بشكل جنوني خاصة للطاقة والمواد الغذائية، لكن سياسة التَخوّيف وخَلقْ وصناعة الأزمات التي قامت بها إدارة الرئيس “بايدن” نجحت في تحصين وتوحيد الحلف الغربي “الأوروبي- الأمريكي”، أما بما يتعلق بمنطقة “الشرق الأوسط” فوزير الخارجية الأمريكية السابق المخضرم “هنري كيسنجر” في لقاء له مع صحيفة “الصندي تايم” توقع ” أنّ أحداثاً كبيرةً قادمة في الشرق الأوسط وآسيا”، لكن حينما سألته الصحيفة عن “أوكرانيا” قال ” السؤال الآن هو كيفية إنهاء هذه الحرب؟ وبعد أن تنتهي يجب إيجاد مكان لأوكرانيا، وكذلك لروسيا، إذا كنا لا نُريد أن تُصبح روسيا موقعا أماميا للصين في أوروبا”.
القصة واضحة، الشرق الأوسط وآسيا عنوان الإستراتيجية الأمريكية، وهنا المقصود القضية المركزية التي تتعلق بعنوان رئيسي هو محاصرة “الصين” ومنعها من أن تُصبح الدولة الأكبر والمهيمن إقتصاديا في العالم ومنع “روسيا” لأن تكون خَطّها الأمامي في “أوروبا”، وهذا يتطلب إبقاء التحكم الأمريكي في موارد الطاقة ومحاولة منع الدول العربية وبالذات دُول “الخليج والسعودية” من إقامة تحالفات إقتصادية إستراتيجية مع “الصين” عِبر خَلق بُعبُع أمني إسمه “إيران” وحلفاؤها في المنطقة، بما يستدعي تحالفات أمنية برعاية أمريكية بين هذه الدول و “إسرائيل” وتحت مفهوم “منظومة الدفاع الجوي” وتعميق عملية التطبيع بين العديد من الدول العربية ودولة الإحتلال الصهيوني كسياسة مُمَنْهجة هدفها السطوة والسيطرة بقيادة دولة في المنطقة مُؤتمنة ومَوثوقة وتُنفذ السياسات الأمريكية لأنها جزء لا يتجزأ ليس فقط من الإستراتيجيا الأمريكية بل من أيديولوجية التفكير نفسها بإعتبارها المقاطعة الفدرالية رقم “2” (الولايات المتحدة الأمريكية تتكون من:خمسين ولاية ومقاطعة فدرالية واحدة هي واشنطن) لأنها تُعبر عن فكر المؤسسة العميقة في “واشنطن” وغالبية الكنائس “الإنجليكانية”.
“بايدن” وإدارته ليس لديهم توجه لأي عملية سلام أو للضغط على دولة الإحتلال “إسرائيل” بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وجُلّ ما يُفكرون فيه هو إدارة “الأزمة” وتقليص التوتر وتحسين الظروف الإقتصادية، أما حقوق الإنسان والديمقراطية فهي شعارات “أمريكية” يتم توظيفها لخدمة التوجهات السياسية، وفي حال رفضت القيادة الفلسطينية متمثلة بالرئيس “عباس” سياسة ومنطق الإنتظار من جديد فسيتم خلق أزمة داخلية جديدة وعناوينها أصبحت معروفة، إما التخويف من البديل “حماس” أو “الفوضى”، إذاً المطلوب من الجانب الفلسطيني الإستمرار في التعاطي مع سياسة “الوهم” الأمريكية لتفادي الأسوأ، والمبررات كثيرة ولكن يكفي فقط القول أن هناك إنتخابات إسرائيلية وأي قرار أمريكي يتعلق مثلا بفتح “القنصلية” الأمريكية في “القدس” الشرقية سيؤثر على نتائج هذه الإنتخابات، لذلك يجب أن ننتظر نتائج تلك الإنتخابات.
“بايدن” قادم وفي جعبته فقط تهديد دول المنطقة من الإستمرار في التقارب الإستراتيجي مع “الصين” و “روسيا” عبر التخويف من حليفتهم “إيران”، وتحضيرهم للقادم الذي تحدث عنه العرّاب “كيسنجر”، لأن الأحداث القادمة هدفها ضرب الإقتصاد “الصيني” وأعتقد أن ذلك سيتجلى على شكل حروب تدميرية في المنطقة تؤدي لنقص حاد في الطاقة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن غالبية هذه الطاقة من “نفط” و “غاز” تذهب إلى دول ك “الصين” و “الهند”.
مُحددات السياسة الأمريكية إعتباراتها مرتبطة بالمصالح والتوجهات الإستراتيجية ولا ترتبط لا بالقانون الدولي ولا بالحقوق وحق تقرير مصير الشعوب، فكيف إذا كان الموضوع يتعلق بالصراع بين الشعب الفلسطيني وحليفتها ودرة تاجها في المنطقة “إسرائيل”، هذا بالطبع تعرفه جيدا القيادة الفلسطينية، وتعلم أيضا أن منطق الإنتظار هو ما سيطلبه صاحب هذا المنطق الرئيس “بايدن” ولا مَنطق غيره.