كان «محمود» عائداً من العمل، وحينما فتح باب الشقة، إذا بعزف منضبط اخترق أذنيه، فظن للوهلة الأولى أن مصدره بيت الجيران، ليفاجأ بابنه «ياسر»، صاحب الخمس سنوات، جالساً في الصالة، ممسكاً بالمزمار، ومنهمكاً في عزف «أما براوة» و«الضوء الشارد».
«ياسر» يرافق والده في الحفلات
كان وقع المفاجأة شديداً على محمود سند، عازف المزمار البلدي، فلم يفكر يوماً في تعليم ابنه أصول العزف في هذه السن الصغيرة، لكن الموهبة فرضت نفسها، ليكون الصغير من يومها مرافقاً لوالده في حفلاته التي يُحييها، وتزداد خبرته يوماً تلو الآخر.
يحكي «محمود»، ابن مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، أنه شعر بموهبة العزف على المزمار البلدي وهو في مقتبل العشرين من عمره، وأصر على صقلها بنفسه، وبدأ يعزف في أفراح ومناسبات مختلفة، ثم انضم إلى عازفين أكثر احترافية، استقى منهم خبره كبيرة حتى صار متمكناً من آلته الشعبية، وكوّن فرقة تجوب حالياً المحافظات، وتُحيي الليالي بمقطوعات تطرب الآذان.
9 سنوات، عمر ابنه «ياسر»، ليُلقَّب بأصغر عازف على المزمار، ولم يبخل عليه والده بالمعلومات، بل حاول أن يُزيد من خبرته ويُعزز ثقته بنفسه، من خلال تقديم تحية خاصة في الحفلات، وفقاً لرواية «محمود»: «بيقدم في الحفلة فقرة لوحده، بيعزف والناس في الآخر تحييه بمكافأة».
«محمود»: مهتم بتعليم ابني
رغم أن الوالد اكتفى بشهادة محو الأمية، لكنه يطمح إلى مستقبل أفضل لـ«ياسر»، فيصر على التوفيق بين دراسته وموهبته، ويعزف فقط في فترة الإجازة، خاصة أنه يستعد لدخول الصف الرابع الابتدائي: «بهتمّ بتعليمه جداً، ونفسي أشوفه أحسن منِّي».
مع بداية شهر يونيو، يبدأ موسم الحفلات والرزق لـ«محمود»، ويصطحب معه «ياسر»، الذي يطلبه الجمهور بالاسم، وصار معروفاً في منطقته وأماكن مختلفة، الأمر الذي يسعد الأب ويخيفه في نفس الوقت: «الناس بتطلبه وباخده معايا الشغل، بيعزف لوقت معين، وبخاف عليه من الحسد».
الهواية التي احترفها «محمود» على مدار 25 عاماً، يرى أن عائدها لا يغطي تكاليف المعيشة، إنما يجب أن يكون بجانبها مهنة أخرى ثابتة، وهو ما يحاول إيصاله لابنه الصغير، حتى يهتم بدراسته ومستقبله.