ما الذي تريده أمريكا من الشرق الأوسط؟، الرئيس الأمريكي قادم إلي المنطقة بنفس العقلية التي جاء بها من سبقه وبذات الأسلوب والطريقة وهو ما عبر عنه في مقال خص به مجلة واشنطن بوست، يلوح في وجه الدول العربية تارة بعصا الملف النووي الإيراني وأنه لولا أمريكا لافترست إيران الدول العربية الواحدة تلو الأخرى، وأن أمريكا وحدها ولا أحد سواها القادرة على لجم الأطماع الإيرانية في المنطقة، وتارة أخرى بعصا ملف حقوق الانسان والحريات، وكأنه القادم إلينا من قلب المدينة الفاضلة ومن واحة العدالة على وجه البسيطة، ليبدأ بعدها في جني ما جاء من أجله والمتعلق بأمرين لا ثالث لهما، أولاً أن تعمل دول الخليج على زيادة إنتاج النفط واستقرار أسواقه وأن ترفع من قيمة استثماراتها في أمريكا، وثانياً الاندماج في شرق أوسط جديد بقيادة أمريكا تكون فيه إسرائيل لاعباً محورياً، وهذا يتطلب الإسراع في التطبيع مع إسرائيل وخلق قنوات للتنسيق معها بما يضمن الوصول إلي شرق أوسط أكثر استقراراً وتكاملاً، والتحالف المطلوب وإن بدا في ظاهره لمواجهة الخطر الإيراني إلا أن حقيقته تتعلق بإحكام سيطرة أمريكا ومعها إسرائيل على مقدرات المنطقة وزيادة تبعية العرب لهما.
هل باستطاعة الرئيس الأمريكي أن يخدع العرب وأن يحصل على ما جاء من أجله؟، لا تبدو مهمته سهله سيما وأن أمريكا اليوم ليست كما كانت عليه قبل عامين أو أكثر، فلم تعد شرطي العالم الأوحد فعلى مرأي ومسمع منها أمسك الدب الروسي بفريسته أوكرانيا وغرس أنيابه فيها وراح يقضمها على مهل، ولم تفلح كل العقوبات التي فرضتها أمريكا بمساعدة الاتحاد الأوروبي على روسيا بل جاءت بنتائج وخيمة عليهم، والذي باتت دول الاتحاد الأوروبي تستشعر تداعياته الخطيرة عليها وتبحث عن خلاص للورطة التي دفعت إليها، فيما الرئيس الأوكراني ذهب ببلاده نحو الانتحار دفاعاً عن المصالح الأمريكية، الرئيس الروسي يعرف جيداً الدور الذي لعبته أمريكا في تفكيك الاتحاد السوفيتي، ويعرف أيضاً بأن بلاده كي ترث أمجاد الاتحاد السوفيتي الطامح فيها لا بد وأن تمنع أمريكا من اللعب في حديقة منزله، والذي من شأنه أن يخلق نظاماً عالمياً جديداً يختلف عن ذلك النظام الذي قادته أمريكا بمفردها بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي.
لن تكون روسيا بمفردها هي من تقوض عرش أمريكا في قيادة العالم، فعلى مقربة منها يواصل التنين الصيني تمدده الاقتصادي والذي بات على مقربة للتربع على مقعد أكبر اقتصاد في العالم، ليس هذا فحسب بل أن اقتصاده يتمتع بقدر من الحصانة لا يتوفر في الاقتصاد الأمريكي، حيث أن تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا أحدثت هزة اقتصادية عنيفة في أمريكا اضطر معها البنك الفدرالي الأمريكي لرفع نسبة الفائدة إلى مستوى هو الأعلى منذ ثلاثة عقود في محاولة لكبح جماح التضخم، وبات من الواضح أن أمريكا ليست فقط عاجزة عن إعادة التنين الصيني إلى قمقمه بل من الممكن أن يجرف مؤشر التضخم البلاد إلى منحدر لا يمكن السيطرة عليه.
يعرف القادة العرب بأن بايدن اليوم بحاجة لهم أكثر من حاجتهم إليه، ولا تغيب عن أي منهم مشهد تخلي أمريكا عن أقرب حلفائها إبان “الربيع العربي” الذي تكشفت معالمه بأنه صناعة أمريكية خالصة، ورغم معرفة العرب بالأطماع الإيرانية في المنطقة إلا أنه من الصعوبة القبول بفكرة التحالف الإقليمي بمشاركة إسرائيل في مواجهة إيران لعدة اعتبارات، أولها أن الدول الخليجية ليست على ذات القدر من العداء مع إيران، فمنها من يقيم علاقات أكثر من طبيعية معها، وتعلم دول الخليج جيداً أن مثل هذا التحالف سيكون بمثابة استفزاز لإيران لا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي حياله، ولا يعني ذلك بأنها ستندفع لخوض حرب معه بل أنها ستعمل من خلال وكلائها على إثارة القلاقل في بعض الدول الخليجية، أما الدول العربية الأخرى المرشحة للمشاركة فلكل منها ما يمنعه من قبول فكرة التحالف سيما بمشاركة إسرائيل، حيث أن مصر لا يمكن أن تقبل بتحالف ستكون فيه ملزمة بكشف بعض أسرار عتادها العسكري وقدراتها القتالية في حضور إسرائيل التي ما زالت تضعها المؤسسة العسكرية في خانة العدو الأول، والعراق تعلم جيداً حجم النفوذ الإيراني فيها وقبولها للمشاركة في هذا التحالف سيعيد العراق من جديد إلى ساحة فوضى لا يمكن السيطرة عليها، أما الأردن التي لا ناقة لها ولا جمل في التحالف ستفكر ألف مرة قبل المجازفة بخطوة قد تبعثر الكثير من أوراقها الداخلية.
لن يتمكن بايدن أثناء زيارته للمنطقة من تحرير شهادة ميلاد تحالف برعاية أمريكا ومشاركة إسرائيل، وكل ما يمكن أن يفعله مطالبة المزيد من الدول العربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل أو فتح قنوات للتنسيق معها، ونجاحه في ذلك هو محط شك كبير، وعلى الجانب الاقتصادي سيما ما يتعلق منه بإستقرار أسواق النفط فلن تأتي زيارته بنتائج حاسمة سيما وأن الدول العربية تنتج طاقتها القصوى ناهيك على أن أسعار النفط مرتبطة بتطور الغزو الروسي لأوكرانيا أكثر من إرتباطه بالدول المنتجة للنفط، لكن ما يهم بايدن في هذا السياق أن يعرقل أي تقارب عربي مع روسيا والصين وقد ينجح في ذلك لبعض الوقت، خلاصة القول أن العرب يجب عليهم أن يتخلوا عن سخائهم المعتاد كلما حل رئيس أمريكي ضيفاً عليهم، وأنهم أمام فرصة لتغيير قواعد معادلة العلاقات العربية الأمريكية، فعلى مدار العقود السابقة اعتمدت على تحقيق المصالح الأمريكية دون النظر للمصالح العربية، سيما وأن أمريكا اليوم بحاجة إليهم أكثر من حاجتهم لها.
كاتب فلسطيني
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0