انه العلم يا سادة ..

يقف الانسان منبهرا الى درجة الذهول والصدمة وهو يتابع ما نشرته وكالة ناسا للفضاء حول أعمق صورة للكون قبل ساعات يتمّ التقاطها بالأشعة تحت الحمراء بعدسة التلسكوب الفضائي “جيمس ويب”…
صورة لا نفهم حتما نحن البر العاديون شيئا ولا ندرك الكثيرولا حتى القليل بشأنها , ولكنها صورة تاخذنا للغوص في اعماق اعماق الكون و ترفعنا عاليا بين مجرات السماء و الاقمار و الشهب بعيدا عن كل اشكال التفاهة المحيطة بنا وبعيدا عن كل صراعات الهوية الكاذبة والجدل الازلي حول جنس الملائكة وفتاوى الزامية الحجاب وطول اللحى و رضاع المحارم و زواج المتعة وجهاد النكاح وغيره من الطلاسم التي لا تقدم و لكنها تؤخر المجتمعات و تحكم عليها بزوال نعمة العقل وبالغرق في مستنقع الجهل المقدس ..
وهي صورة جميلة بالتأكيد تؤكد اننا ازاء عالمين عالم متقدم يؤمن بالعلم و يستثمر في العقل البشري القادر على صنع المعجزات و عالم متخلف اسقط التعليم و البحث العلمي من اولوياته فحصد الجهل و التخلف والخنوع , و هي صورة تختزل تاريخ هذا العالم في مشهد علمي غيرمسبوق فالامر يتعلق بفلسفة العلم و السباحة في الفضاء في جزء من العالم الذي راهن على العقل البشري لفهم ما يدور في هذا الكون والتحكم فيه وهو بالتاكيد عالم يختلف عن عالمنا الملتصق بادران الارض والتراب ..
الصورة تناقلتها مختلف الفضائيات و دعت اهل العلم لتفسيرها للعامة في قراءة مبسطة لتلك الكويرات اللامعة و كأننا ازاء لوحة فنية من رسم اطفال المدارس و لكنها لوحة فنية للطبيعة و هي حبة رمل من الكون الشاسع بما يعني انه كلما اعتقد الانسان انه بلغ المنتهى الا و عاد ليكتشف انه لا يعرف شيءا عن هذا الكون و ما يحيط به من اجرام ..
الصور تحمل توقيع وكالة الفضاء الامريكية “ناسا”، و يقال انها أعمق صورة للكون على الإطلاق يتمّ التقاطها بالأشعة تحت الحمراء بعدسة التلسكوب الفضائي “جيمس ويب”…
الرئيس الامريكي جو بايدن لم يفوت الفرصة و لم يتجاهل الحدث الذي ياتي بعد ستة اشهر على اطلاق “جيمس ويب”و هو أقوى تلسكوب فضائي على الإطلاق..بايدن وصف الحدث بالتاريخي فالصورة هي الاكثر عمقا و الاكثر وضوحا التي تلتقط منذ نشأته للكون حتى اليوم و معها يدخل العام امتقدم مرحلة جديدة من تاريخه ..و شتان بين مستقبل و مصير بلد يكون العلم حديث العامة و الخاصة ويشير فيه رئيسه الى ما يحدث في عالم الفضاء و بين عالم لا يسمع الخاصة فيه و العامة باخبار افضاء و العلم و ان سمعوا فقد تراوح ردود افعالهم بين التجاهل والامبالاة او السخرية من الخبراوانكاروتكذيب ما حدث الى درجة التكفير , فالعقل الجامد لا يقبل بالعقل الناشط المبدع و المفكر العابر للحدود و السابح في بحر العلوم و المعارف بحثا عن فهم اسرار الكون و نشاته و تطوره خارج اطار الخرافة و الاساطير المهدمة للتفكير الرافضة للتقدم والتطور و الانعتاق من كل قيود الجهل ..
تقول وكالة ناسا أن المنطقة التي تغطيها الصورة تشمل جزءا ضئيلا من الكون، و إن هذا الجزء يشمل “رقعة من السماء بحجم حبة الرمل التي يحملها شخص ما على الأرض وينظر إليها بطول ذراعه..”.نعم حبة رمل من هذا الكون بكل ما خفي عن الانسان او بات معلوما للعقل البشري ..يقول مدير وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، بيل نيلسون”ننظر هنا إلى ما قبل 13 مليار سنة ضوئية، الضوء يسافر بسرعة 168 ألف ميل في الثانية (270 ألف كلم في الثانية)، وهذا الضوء الذي تراه في إحدى هذه المجرات، يعود لما قبل 13 مليار سنة ضوئية، وفي المناسبة بعضها يعود إلى حوالي 13 ونصف مليار سنة ضوئية، ولأننا نعلم أن الكون عمره 13.8 مليار عام، نحن نعود إلى قرابة البداية”.. هذا التلسكوب دقيق إلى درجة نعرف بها إذا كان الكوكب الذي ننظر إليه قابلا للحياة أم لا”، مؤكدا “سنكون قادرين على إجابة أسئلة لم نكن نعرف أنها موجودة أصلا من قبل..
نعم هذا هو العقل البشري المتوثب المتمرد على السائد و المألوف وكل اشكال الفكر الخرافي والفقرالمعرفي و الفراغ القاتل للمواهب الذي انجز هذا التلسكوب الدقيق الذي سيقدم للبشرية الكثير من الاجوبة التي تحتاجها ..طبعا لا حدود لبحر العلم الذي يحتاج لعقل يجيد فنون السباح ةبين امواجه بعيدا عن الخطابات الجامدة المنفرة للعلم و للرقي الانساني و للاجتهاد و لكل ما يجعل الانسان لا يتوقف عند حد ..

المهم في هذا الانجاز الذي يدخل معه عالم الفضاء عصرا جديدا أنه تتويج لجهود آلاف المهندسين ومئات العلماء و300 جامعة ومؤسسة وشركة من 29 ولاية أميركية و14 دولة حول العالم، ومن المرتقب أن يقود مرصد “جيمس ويب” العالم إلى عصر جديد من الاستكشافات الفضائية…بمعنى انه عنوان جامع للدول و الشعوب التي راهنت على المستقبل و على التعليم المتطور و على المدرسة و الجامعة و البحث العلمي الذي بفضله تتغير الامم ..

لا جدال ان بيننا و بين هؤلاء سنوات ضوئية حتى نفهم هذه الصورة فنحن مشغولون بالبحث في مقاصد الشريعة التي ادرها الغرب قبلنا وفهم معها ان مقاصد الشريعة في كل القيم والمبادئ التي تجعل المواطن يعيش في بلد نظيف وبيئة تحفظ كرامة الانسان و في ظل قانون يتساوى امامه الجميع و يسعى فيه الكل للاجتهاد و العمل و تحرير العقل ..
كاتبة تونسية