يوفر المقال الذي كتبته الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، سفيرة المملكة العربية السعودية في واشنطن، مفتاحاً مهماً لفهم ما جرى في جدة، إن في القمة الأمريكية – السعودية أو في قمة ”9+1“ التي جمعت الرئيس بايدن بقادة تسع دول عربية.. الأميرة تقول في مقالها المنشور في صحيفة ”بوليتكو“، إن ”نموذج الأمن مقابل النفط قد عفا عليه الزمن“، ولم يعد صالحاً ولا مناسباً لفهم الديناميات الجديدة للعلاقات الأمريكية – السعودية.
هذا التقدير صحيح، بل وصحيح تماماً، وربما ينطبق بدرجات متفاوتة على بقية دول الخليج الغنية، وربما يتخطاها لعدد آخر من الدول العربية، فالزمن الذي كان فيه حلفاء واشنطن وأصدقاؤها، يصطفون تلقائياً خلفها، في مختلف حروبها وضد صنوف أعدائها المتعددين، قد ولّى..لهذه الدول اليوم، حساباتها ومصالحها الخاصة، ولديها شبكة علاقاتها وتحالفاتها، التي لن تبقيها مجردة من الأصدقاء وشبكات الأمان والخيارات البديلة.
قمة جدة، في شقيها الثنائي (السعودي – الأمريكي) أو الجماعي (9+1)، وفرت فرصة لاختبار هذه الديناميات، وربما أن الرئيس الأمريكي العجوز، الذي خبر المنطقة منذ قرابة نصف قرن، قد وجد أمامه في جدة، محاورين من نوع مختلف، لا ينتظرون إشارة من إصبعه، للتصرف وفقاً لإملاءاته..
اليوم، ثمة حسابات أكثر تعقيدا، تقتضي في حدها الأدنى، البناء على الجوامع والقواسم المشتركة، ومثلما لواشنطن مصالح يتعين أخذها بنظر الاعتبار، أو على الأقل، ما هو ”منطقي“ و“مشروع“ منها، فإن لهؤلاء الشركاء الإقليميين، مصالح يتعين على الدولة الأعظم أخذها بالحسبان.
الولايات المتحدة لم تعد ”كلّية القدرة“ ولا هي قدر لا رادَ له، وإذا كان دورها العالمي المهيمن قد استمد من استحواذها على نصف الناتج العالمي الإجمالي بعد الحرب العالمية الثانية، فإنها اليوم لا تستحوذ إلا على خمس هذا الناتج، أو أزيد قليلاً، وثمة مراكز دولية ناشئة، وقوى عالمية صاعدة، لا تعطي واشنطن الحق بالاستئثار بالقرار العالمي.
لقد تبدى ذلك أولاً في إحجام قادة الدول العربية التسع عن مجاراة واشنطن في حربها الشعواء ضد روسيا. وبيانا جدة الثنائي والجماعي، لم يخرجا عن منطوق ميثاق الأمم المتحدة، عندما تعلق الأمر بروسيا واجتياحها لأوكرانيا..
ويظهّر ثانياً في تجاهل قادة الدول التسع، لمشروع ”الناتو الشرق أوسطي“، وعدم الإتيان على ذكره بأيٍ من مسمياته المختلفة، بل وتأكيداتهم المتكررة بأن شيئاً كهذا لم يعرض عليهم من قبل، وتنصلهم منه قبل أن يرى النور..
وبلغت المفاجأة ثالثاً عندما أجمع القادة العرب على تذكير الزائر الأمريكي، بأن القضية الفلسطينية التي سعى في تهميشها، هي محور سلام الإقليم، وأن لا أمن ولا استقرار في المنطقة من دون حلها وفقاً للمرجعيات المعروفة.
أما في حقل ”الهيدروكربون“ رابعاً، فقد حرص قادة الدول المنتجة والمصدرة للنفط والغاز على تذكير ضيفهم القادم بشهية مفتوحة لضخ المزيد من هذه السلعة الاستراتيجية إلى الأسواق الظَمِئة، بأن لديهم التزامات بموجب ”أوبك +“، وأن لقدرتهم على الإنتاج والتصدير حدوداً لا يستطيعون تجاوزها.
لقد بدأت جولة بايدن في الإقليم، بالأنباء السارة التي انهمرت على إسرائيل، والتي لخصها ”إعلان القدس“، والدعم السخي غير المشروط من قبل الدولة الأعظم، لكن الجولة ذاتها، انتهت بأنباء سارة للسعودية، فهي ظهرت كقطب إقليمي وازن، لا يمكن تجاهله أو القفز عليه.. وأن المملكة وحدها في هذه المرحلة على الأقل، من بمقدوره جمع شمل الدول العربية، وأنها تراكم عناصر قوى مالية واقتصادية وسياسية، ستمكنها من تزعم ”قطب عربي وازن“، بمقدوره صياغة علاقات أكثر توازناً مع جوار إقليمي توسعي: تركيا وإيران، وعدواني: إسرائيل، لا سيما إن تأكدت قناعة عدد متزايد من الدول العربية، بأن إسرائيل أعجز وأصغر من أن تملأ ”فراغ أمريكا“ في المنطقة، وأن الأوان قد حان – ربما – للبحث عن مشروع عربي، أكثر عقلانية وفاعلية وحضوراً.
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0