8 ساعات في سلفيت ترسم قوة وعزيمة الفلسطيني في وجه جبروت الطغاة

بعزم الصابرين المحتسبين، الذين لم تردعهم يومًا جبروت الطغاة الذين يتجبرون بعدتهم وعتادهم من جنين ونابلس إلى سلفيت، كان يقف والد الأسير يوسف عاصي، متوجها نحو القبلة، مكبرًا تكبيرة الإحرام، مؤديًا صلاة الفجر، على وقع أصوات هدير الجرافات الإسرائيلية التي كانت تدمر منزله، وتستبيح كل ما بداخله لمجرد الشعور بلذة الانتقام والتلذذ بعذابات المواطنين الذين لم تلن عزيمتهم يومًا رغم كل هذا القتل والدمار.

وفي صورة أخرى من منزل مجاور لا يبعد الكثير عن منزل المواطن سميح عاصي، كان المواطن محمد مرعي والد الأسير “يحيى”، وبجانبه والده الطاعن في السن، وأشقائه، يكبرون بصوت واحد ويرددون “فداك يا أقصى.. فداك يا يحيى” تزامنًا مع لحظة تفجير قوات الاحتلال لمنزلهم، الذي زينت ركامه بصورة الأسيرين الصديقين رفيقا الدرب في حياتهما ونضالهما يحيى ويوسف.

نحو 8 ساعات استمرت عملية قوات الاحتلال في قراوة بني حسان غرب سلفيت، من أجل محاولة هدم منزلي الأسيرين يوسف ويحيى، المتهمين بقتل حارس أمن إسرائيلي في نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي، عند مستوطنة “أريئيل”، تخلل هذه الساعات العديد من المواقف والأحداث، لعل من أبرزها متابعة أصحاب تلك المنازل لعمليات الهدم والتفجير التي طالتها، وهم يقفون كالجبل الشامخ في وجه الرياح العاصفة التي لا تهزه رغم كل ما فيها من إجرام وعقاب جماعي.

بروح ومعنويات عالية وجه محمد مرعي كلماته للمحتلين، “قل موتوا بغيظكم .. فداك يا يحيى”، فيما قالت زوجته بلسان الفلسطينية الثائرة “يحيى فدا البيت والوطن .. ما بهز هالمحتل أي شعرة فينا .. والبيت بنبني غيروا وأحسن منه”.يقول الوالد وهو أسير محرر، إن قوات الاستعمار لم تمهله سوى دقيقتين فقط لإخراج والده المسن المريض، والأطفال، مشيرًا في حديث للصحفيين من أمام منزله المدمر أنه لم يسعفه الوقت حتى لأخذ جميع أدوية والده المريض.

فيما قالت زوجته، إن تلك القوات تعمدت إرهاب وإرعاب الأطفال الذين كانوا يبكون بسبب احتلال المنزل قبل تدميره بشكل مفاجئ، وبدون سابق إنذار في محاولة لإرهابنا، إلا أنهم فشلوا بذلك، وخرجنا بعزيمة الصابرين دون أن نلتفت خلفنا لبعض الجدران.

وشهدت البلدة خلال عملية الاقتحام، مواجهات عنيفة أدت لإصابة 4 شبان بالرصاص المطاطي، فيما ألقيت زجاجات حارقة تجاه تلك القوات.

وفي مشهد متكرر في جنين ونابلس ورام الله وغيرها من محافظات الوطن المسلوب، وجدت عائلتي الأسيرين عاصي ومرعي، من جيرانهما وأهالي البلدة كل الاحتضان والود بعد أن تم استضافتهم في بعض المنازل، وتوفير كل ما يحتاجونه في صورة بهية من صور الشعب المكلوم الذي يناطح بعزيمته وصبره وإيمانه هذا المستعمر الذي لا يكاد يمر يوم دون أن يقتل ويدمر ويأسر ويبطش بهذا الفلسطيني الصامد في أرضه ووطنه.

صحيفة “القدس”