كتب د. حامد أبو العز:
منذ عهد الحروب التقليدية الكلاسيكية القديمة إلى زمننا هذا والجميع متفق على قاعدة أن التهديدات العسكرية أو الانتصار في ساحة المعارك يوفر مجالا أوسع للسياسيين لزيادة مطالبهم وتعزيزها على طاولة المفاوضات. ولكن في لبنان (المعروف بعجائبه وغرائبه) يفسر الفرقاء السياسيون هذه المعادلة بشكل معكوس!!!
ما قام به حزب الله خلال الأسابيع القليلة الماضية هو مناورات تكتيكية تحسب بأثمان باهظة على طاولة المفاوضات. في الخطوة الأولى أرسلت المقاومة ثلاث طائرات مسيّرة إلى حقل الغاز “كاريش”. في الحقيقة منذ البداية لقد كان لهذه الطائرات مهمة أخرى غير تلك التي روجّت لها إسرائيل وحلفائها في لبنان، إذ أن الطائرات المسيرة لم تكن مسلحة أو هجومية ولم تقم بمهمات استطلاعية أبداً، لقد كان الهدف من إرسال هذه الطائرات هو إيقاف عمليات التنقيب عن الغاز في الحقول المتنازع عليها وهو بالفعل ما حدث حيث توقفت الشركات الأجنبية عن عمليات التنقيب وذلك لانعدام الأمن هناك.
التواجد الإسرائيلي غير المشروع على الأراضي العربية في (فلسطين ولبنان ومصر وسوريا) قدم لنا درساً مهما في العلاقات الدولية يقوم هذا الدرس على أن استجداء الحقوق من دولة غاصبة هو مضيعة للوقت مزيد من التنازل. علينا جميعا (أقصد هنا حتى الفرقاء اللبنانيين المخالفين لمحور المقاومة) أن ندرك بأن الحقوق المشروعة للبنان في غازه ونفطه وأراضيه يجب أن تأتي في بعض الأحيان بالقوة أو من الممكن أن تكون القوة أو التهديد بها سبيلا لتحصيل هذه الحقوق.
في الخطوة الثانية قام حزب الله عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله بالتهديد صراحة بالحرب. جاء ذلك في مناسبتين هامتين للغاية الأولى حيث صرح نصر الله بأنّه إذا ما تم منع لبنان من استنقاذ نفسه عبر استخراج النفط والغاز فلن يستطيع أحد أن يستخرج الغاز أو النفط أيا كانت العواقب. وفي المرحلة اللاحقة تحدث نصر الله عن أن صواريخ المقاومة الدقيقة تطال أي أهداف بحرية أو برية إسرائيلية.
في الداخل اللبناني يقوم الفرقاء (في أغلب الأحيان حزب القوات اللبنانية) بتفسير هذه الخطوات على أنها خطوات تهدد أمن لبنان ودفعه نحو الحرب. إذ أن هناك حرب نفسية يقودها هؤلاء الفرقاء لإظهار حزب الله والمقاومة اللبنانية على أنها متعطشة للحرب وبأنها غير مهتمة بالمصالح القومية اللبنانية. ولكن في الحقيقة العكس هو الصحيح، فقد شاهدنا جميعاً نتائج عملية الانبطاح للمطالب الغربية الإسرائيلية. فهل حُلت مسألة النفط والغاز في لبنان بعد تفجير بيروت؟؟ هل قامت الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة بدعم لبنان اقتصادياً؟؟ ثم ماذا عن مشروع استجرار الكهرباء والغاز الذي روّجت له السفارة الأمريكية كرد على المساعدات الحقيقية التي قدمتها إيران للبنان عبر حزب الله؟؟ أليس هذا الوقت المناسب كي يطالب رئيس حزب القوات اللبنانية حلفائه في الولايات المتحدة بتفعيل مشروع الغاز والكهرباء لمساعدة لبنان في أزمته الاقتصادية المتفاقمة؟؟ ثم ما هي مواقفهم حول المناورات الإسرائيلية التي تحاكي استهداف أهداف على الأراضي اللبنانية بشكل مباشر؟؟
ختاماً، إن تحركات حزب الله والمقاومة بشكل عام حققت جزء مهما من أهدافها في المحافظة على حقوق الشعب اللبناني وإبعاد شبح الحرب عبر عمليات الردع العسكري والدفاعي لمحور المقاومة. أولى النتائج التي ظهرت إلى العلن هي تسريبات من الصحف الإسرائيلية تحدثت عن تقديم إسرائيل مقترحات وتنازلات في القضايا الخلافية مع لبنان إلى الولايات المتحدة (الوسيط في هذه المحادثات)، حيث نُقل الموقف الإسرائيلي إلى البيت الأبيض قبيل وصول المبعوث الأميركي عاموس هوكستاين إلى لبنان الأسبوع المقبل. وننتظر في الأيام والأسابيع المقبلة أن تستفيد الحكومة اللبنانية من هذه المواقف وتحويلها إلى نقاط تفاوضية وأوراق رابحة على طاولة المفاوضات.
باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية
كاتب فلسطيني