لا حرب في لبنان لكن الانتظار واجب.. د. إيمان شويخ

في ٢٩ يوليو/ تموز وفي مثل هذه الأيام من عام ٢٠٠٦ كانت الحرب في لبنان مشتعلة، وذلك إثر خطف المقاومة اللبنانية جنديين إسرائيليين عند الحدود اللبنانية-الفلسطينية لتحرير أسرى لبنانيين في السجون الإسرائيلية، ماأدى الى قيام قوات الاحتلال بأبشع جرائم مرتكبةً مجازر بحق الأبرياء, وأغارت الطائرات الحربية على منزلين في بلدة النميرية ما أدى إلى استشهاد 7 مواطنين، كما أغارت على عدد من المنازل في عين عرب ما أدى إلى استشهاد 7 مواطنين آخرين، ودارت مواجهات عنيفة عند أطراف مدينة بنت جبيل وعلى مثلث بنت جبيل – مارون الراس – عيترون، وأطلقت المقاومة الإسلامية أكثر من 100 صاروخ مستهدفة شريط المستوطنات والمدن شمال فلسطين المحتلة, والأحداث بقيت على مدى 33 يوما, حينها أعلن قائد الجبهة الشمالية في جيش الاحتلال عودي آدم أن “الهدف لم يكن أبداً احتلال بنت جبيل بل تدمير أكبر قدر ممكن من البنى التحتية والمخربين”، وقال مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية إن “إسرائيل تسعى للحصول على التزام ببدء عملية تنفيذ القرار 1559 الذي يدعو لنزع سلاح حزب الله.. يجب تعزيز الجيش اللبناني الذي تقع على عاتقه مسؤولية تطبيق هذا القرار”. هكذا بررت قوات الاحتلال انكسارها في المواجهات الميدانية، واليوم تموز يعيد نفسه، وتراجع العدو الصهيوني براً في نصر تموز ٢٠٠٦، يقابله تراجع العدو الإسرائيلي اليوم لكن في البحر بعد أن طبّل وزمّرالعدو مستقدماً منصة يونانية إسرائيلية للتنقيب في حقل كاريش، ومطلقاً التهديدات الوهمية ومنها أنه سيصل إلى صور وصيدا وبيروت، لكن مسيرات المقاومة ومعادلة كاريش ومابعد بعد كاريش، إضافةً إلى الموقف الحازم لرئيس مجلس النواب نبيه بري, الذي أرسى اتفاق الإطاروأكد على عدم التخلي عن كوب ماء واحد والإصرارعلى السير بالمفاوضات برعاية أميركية, و برزت في الأسبوع الحالي إشارات إيجابية تتوقع عودة الطرفين اللبناني والاسرائيلي الى طاولة المفاوضات في الناقورة لاستكمال التفاوض والتوصل الى حلٍ وسطي ليصار الى توقيع الاتفاق قبل موعد بدء استخراج الغاز من حقل «كاريش» في أيلول المقبل، والعين على الوسيط الأمريكي في ملف الترسيم عاموس هوكشتاين الذي يصل إلى بيروت الأحد المقبل.
في غضون ذلك، وإذا كان التعويل على نجاح مفاوضات الترسيم الذي سيشرع الباب أمام الاستحقاقات المقبلة في لبنان، فإنه لم يسجل أي خرقٍ في جدار الأزمة الحكومية، ما يؤشر إلى أن الحكومة دخلت العناية الفائقة حتى نهاية العهد الرئاسي الحالي ولن تنجح محاولات إنعاشها خاصة أن الوقت الفاصل عن المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية لا يتجاوز الشهرين  وبقي أقل من 4 أشهر على انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون.
لكن الجمود الحكومي والضبابية في ملف الاستحقاق الرئاسي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يقابله مطبخ تشريعي ناشط لم توقفه كل الأزمات، ودليل ذلك هو استمرار التشريع حين كانت جائحة كورونا تفتك بالبلاد والعباد العامين الماضيين وحين كانت تسود موجة الإقفال العام ومع ذلك فقد انتقل مجلس النواب ليعقد جلساته إلى قصر الأونيسكو واستمر بإقرار القوانين التي تطال الحياة المعيشية لكن معظمها للأسف بقي دون تنفيذ بسبب حكومة غير متوافقة على أبسط البنود ومنها الكهرباء، وسُجّل إنجاز لمجلس النواب في جلسة عقدت الثلاثاء الماضي في ٢٦ تموز هو إقرار قانون السرية المصرفية الذي يطلبه صندوق النقد الدولي كخطوة لتوقيع الاتفاق مع لبنان إضافة إلى قوانين أخرى يطلبها وهي قانون الكابيتال كونترول وإقرار خطة التعافي, ويأمل الصندوق أن لاتؤجل إلى مابعد استحقاق رئاسة الجمهورية.
وبما أن الكهرباء وهي بند إصلاحي يطلبه صندوق النقد ويطلب رفع التعرفة، وهي «أم الأزمات» وتكاد تقضي على البلد وعلى حياة المواطنين،فإن مواقف برزت حول مقترح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بتأمين هبة من الفيول الإيراني لكهرباء لبنان في، وأثار إعلان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي دعا الحكومة لقبول العرض لثقته بأنه لن ينفذ، أثار حجم الإحراج الذي تعيشه القوى المعارضة للمقاومة في لبنان، والتي تقر ضمنياً بأهمية وجود المقاومة لحماية لبنان الذي يفتقد لأدنى منظومة دفاعية، حيث تحول عناصر الجيش والقوى الأمنية إلى حماة لمحطات البنزين سابقاً، والأفران اليوم بسبب أزمة الخبز التي فجرت أزمة قديمة تنفجر مع كل أزمة معيشية وهو ملف النازحين السوريين الذي تشير كل المعطيات والوقائع أن ثمة قراراً دولياً لتوطين هؤلاء، ليس هذا فحسب بل دفعهم إلى افتعال أو زيادة حدة الأزمات ومنها أزمة الخبز، فطوابير الحصول على ربطة خبز معظمها من النازحين السوريين وهؤلاء لا يكتفون بربطة واحدة بل بعشرات الربطات التي تصبح سلعتهم في السوق السوداء بأسعار مضاعفة تصل إلى ١٠٠ ألف ليرة في بعض المناطق حسب مواطنين، وكأن المجتمع الدولي يريد تأمين كل سبل البقاء للنازحين السوريين في لبنان من أجل توليد الضغينة بين اللبنانيين والسوريين والدفع نحو انفجار اجتماعي يخدم مصالح العدو الاسرائيلي، في ظل رفض بعض الاطراف السياسية الحديث مع الحكومة السورية لإيجاد حل جذري لهذه الكارثة والقنبلة الموقوتة التي تفجرت في مناطق عدة وأودت بحياة سوريين ولبنانيين أو أسفرت عن وقوع جرحى بسبب ماذكرنا من مشاكل واحتكاك بين الطرفين.
ولاتزال قضية ملاحقة النائب البطريركي الماروني على القدس والأراضي الفلسطينية وراعي أبرشية حيفا للموارنة المطران موسى الحاج تتفاعل سياسياً وإعلامياً خاصةً لجهة توقيتها وتزامنها مع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط سعياً لتوسيع رقعة التطبيع ودمج إسرائيل في المنطقة، مايطرح تساؤلات عما إذا كانت حادثة نقل الأموال من فلسطين المحتلة على يد المطران الحاج يراد بها تغطية التطبيع الضمني أو التطبيع المقنّع الذي تمارسه جهات سياسية، وبالتالي يتم كسر الحاجز وفرض التطبيع من باب المساعدات المالية من قبل اللبنانيين الموجودين في الاراضي المحتلة وهم موارنة يبلغ عددهم حوالي ١٠ آلاف تضم حيفا أكبر تجمع لهم، لكن هؤلاء تحولوا إلى عملاء، ومهما حاول البعض تبرأتهم فلا يمكن اعتبار المساعدات القادمة منهم بريئة، بل هي اسرائيلية وصهيونية خبيثة، ولن يقبل أي لبناني شريف ولو كان يموت جوعاً أو مرضاً أن تأتيه مساعدة من عدو قام بمثل هذه الأيام بارتكاب أبشع المجازر بحق اللبنانيين، ومن يريد أن ينسى أو يتناسى ويقبل بالمساعدات، فإن المقاومين لن ينسوا إلى أن تحرر القدس ويزول الكيان الاسرائيلي المؤقت.
دولياً تشهد المنطقة تصعيداً تحت عنوان النفط والغاز مايضع دول الغرب أمام خيارات صعبة مع اقتراب فصل الشتاء واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، أما الملف النووي فيبدو أن عودة إيران الى سوق النفط والغاز بنتيجة أي اتفاق ينهي العقوبات لا تزال هدفاً أميركياً وأوروبياً في ظل ازمة الطاقة التي تعيشها أوروبا ودول الغرب، وتنشغل أمريكا بملف المفاوضات النووية بعد تراجعها المقنع من حرب الإنابة التي تخوضها مع روسيا من خلال أوكرانيا والتي ستنسحب منها في نهاية المطاف ، فهي بدأت بعد انسحابها من أفغانستان في(٣١ أغسطس ٢٠٢١) أي منذ حوالي العام، بدأت بتغيير أو تعديل في سياستها الخارجية، و المؤشرات تشي بتراجع الرغبة الأمريكية في إشعال الجبهات، وصحيح أن قواتها موجودة في العراق وسوريا، لكن شهية الحروب المستمرة التي دأبت واشنطن عليها تنخفض بشكلٍ ملحوظ، وقد تكون المفاوضات مع إيران حول الملف النووي المؤشر الأهم حول مانقول، وكان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد اقترح الثلاثاء ٢٦ يوليو مسودة نص جديدة لإحياء الاتفاق النووي الايراني المبرم ٢٠١٥، قائلاً إنه لم يعد هناك مجال لمزيد من التنازلات الكبيرة، بدورها إيران رحبت الأربعاء ٢٧ يوليو بالجهود الديبلوماسية لإحياء اتفاق ٢٠١٥ من قوى عالمية، وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لبوريل عبر الهاتف “إن إيران ترحب بمواصلة الدبلوماسية والمفاوضات”، وعليه، ومهما بلغت درجة الأخذ والرد، والكر والفر بين واشنطن وإيران فإن ذلك لايلغي حقيقة أن أمريكا لاتريد حرباً، ومهما بلغ تحريض إسرائيل لأمريكا بعد إبرام الاتفاق مع إيران، وتهديدها بتوجيه ضربات لإيران في حال امتلكت سلاحاً نووياً فإن كل ذلك لايلغي الحقيقة التي تقول بأن أمريكا لم تعد القوة العظمى وهي صارت اليوم تلهث وراء بلدان النفط سعياً وراء تحقيق استقرار في أسواق الطاقة العالمية، وانتهى زمن الأحادية والنظام العالمي الاقتصادي القائم على الدولار وهذا بات جلياً من خلال التحالف الاقتصادي الجديد الذي يضم روسيا و الصين التي تخطط إلى جانب دول منضوية تحت تحالف “بريكس” ويضم إلى جانبها كل من البرازيل والهند وجنوب إفريقيا لتطوير عملة دولية جديدة من أجل منافسة الدولار كاحتياطي موثوق.
وكذلك تقول الصين إنها تعمل مع هونغ كونغ وسنغافورة وثلاث دول أخرى من أجل تحويل عملتها الرسمية (اليوان) لتكون العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية خلال الفترة المقبلة.
وأمام كل هذه التقلبات الاقتصادية التي تشكل تهديدا في المستقبل المنظور لهيمنة الدولار الأميركي، والنظام الاقتصادي الأمريكي فإن ضربةً أتت لبايدن الذي “ذُل” اقتصادياً وسياسياً أمام السعودية، فبعد قمة جدة التي عقدت في ١٦ يوليو الجاري، عاد الرئيس الأمريكي خالي الوفاض بعدما كان يسعى التوصل إلى اتفاق بشأن إنتاج النفط للمساعدة في خفض أسعار البنزين التي تدفع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 40 عاماً وتهدد نسب التأييد له داخل الولايات المتحدة، وكان يأمل في أن تزيد منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا وحلفاء آخرون، فيما يعرف باسم مجموعة أوبك+، الإنتاج في اجتماع يوم الثالث من آب/أغسطس.
ويُستنتج من ذلك أن دول الخليج، التي رفضت الوقوف في صف الغرب ضد روسيا فيما يتعلق بالصراع في أوكرانيا، تسعى بدورها إلى الحصول على تعهدات ملموسة من الولايات المتحدة حول التزامها بالعلاقات الاستراتيجية التي توترت بسبب ما ترى أنه توجه أمريكي لفك الارتباط مع المنطقة.
أما ولي العهد السعودي الحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان فحط رحاله في فرنسا للقاء رئيسها إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، في إطار جولة أوروبية بدأها في اليونان، الزيارة تشكل خطوة جديدة “لرد الاعتبار” لولي العهد بعد أقل من أسبوعين على زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية التي كرست عودة محمد بن سلمان إلى الساحة الدولية، وهي أول زيارة للأمير السعودي لأوروبا منذ اغتيال الصحافي جمال خاشقجي الذي قتل عام 2018، وكأن بن سلمان يقول لبايدن بطريقة غير مباشرة انتهى الدور الأميركي، وجاء دور التحالفات الجديدة التي لن تكون واشنطن عرابتها.
وعليه فإن أي حربٍ عسكرية لن تكون في مصلحة أمريكا اليوم التي تقف حائرة تارةً في البحث عن أمن الغاز في المنطقة وطوراً في دمج حليفها الكيان الصهيوني في المنطقة، والهدفين اللذين لم يصبهما بايدن في جولته الشرق أوسطية تحتم عليه صبراً طويلاً لا حروباً متنقلة، فيما الحليفة الأولى “إسرائيل” فهي تُعلّق آمالها على مشروع تصدير الغاز الى أوروبا، وإلإسرائيليون يعتقدون أن الخلاف البحريّ مع لبنان على وشك الانتهاء والتوصل إلى الحل، وبالتالي فلا حرب في المدى المنظور، ولكن الانتظارواجب، فلننتظر ونرى.
صحافية وأستاذة جامعية