بالتفاصيل ..لعنة الشقاقي.. رابين أمر بتصفية قائد “الجهاد” بمالطا وبعد أسبوعيْن اغتيل بتل أبيب

في الـ22 من شهر كانون الثاني (يناير) من العام 1995 وقعت عملية بيت ليد، التي كانت أوّل عمليةٍ انتحاريّةٍ فلسطينيّةٍ مزدوجة تقوم بها حركة (الجهاد الإسلاميّ)، والتي أسفرت عن مقتل 22 جنديًا ومستوطنا إسرائيليًا وإصابة أكثر من 60 آخرين بجراحٍ متفاوتةٍ. في ساعات الليل من ذلك اليوم أصدر رئيس الوزراء الإسرائيليّ آنذاك، يتسحاق رابين أوامره لجهاز (الموساد) بتصفية قائد (الجهاد) د. فتحي الشقاقي. يوم الـ26 من تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 1995 تمّت عملية الاغتيال في مالطا من قبل وحدة (كيدون)، المسؤولة عن اغتيال علي حسن سلامة (قائد تنظيم أكتوبر الأسود/فتح) ومحمود المبحوح (قائدُ بحركة حماس) وعلماء الذرّة الإيرانيين.
رابين أمر بتصفية الشقاقي رميًا بالرصاص ولماذا رفض خطف العبّارة؟ والمفارقة أنّه قُتِل بعد أسبوعيْن من تصفية الشقاقي
الصدمة في تل أبيب كانت كبيرةً جدًا، لأنّ العملية استهدفت جنودًا داخل الخّط الأخضر، واعتبرتها دولة الاحتلال من أصعب العمليات الفدائيّة في تاريخ إسرائيل. رئيس الوزراء آنذاك، يتسحاق رابين، الذي زار مكان العملية، عاد إلى ديوانه في ساعات الليل، وبحسب الإعلام الغربيّ، أصدر في تلك الليلة أوامره لجهاز (الموساد) بتصفية الأمين العّام لحركة (الجهاد) د. فتحي الشقاقي، علمًا أنّ إسرائيل لم تُعلِن حتى اللحظة مسؤوليتها عن عملية اغتيال د. الشقاقي في مالطا، في الـ26 من تشرين الأوّل (أكتوبر) 1995، وللمفارقة فإنّه بعد أسبوعيْن اثنيْن على اغتيال الشقاقي، وتحديدًا في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، قام إسرائيليٌّ باغتيال رابين بعد مهرجانٍ بتل أبيب لدعم عملية السلام مع الفلسطينيين. واللافِت أنّ د. الشقاقي اغتيل رميًا بالرصاص بمسدسٍ من مسافة صفر، ورابين أيضًا قُتِل برصاص مسدسٍ ومن مسافة صفر من قبل متطرّفٍ إسرائيليٍّ يُدعى حجاي عمير.
القذّافي دعم (الجهاد الإسلاميّ) وحثّ الحركة على تنفيذ عملياتٍ ضدّ إسرائيل
في تلك الأيّام كانت الدولة العبريّة تعيش أجواء (السلام) مع الفلسطينيين، وذلك بعد التوقيع على اتفاق (أوسلو) بين إسرائيل ومنظمّة التحرير الفلسطينيّة في العام 1993، ووفق المزاعم الإسرائيليّة فإنّ جهاز (الموساد) اقترح خطف العبارّة التي كان يستقلها د. الشقاقي للوصول والعودة من ليبيا حيثُ اجتمع هناك مع العقيد معمر القذافي، الذي كان يدعم (الجهاد الإسلاميّ) ماديًا ومعنويًا. وبحسب القناة الـ12 بالتلفزيون العبريّ، فإنّ رابين رفض المصادقة على اقتراح خطف العبارّة خشيةً منه أنْ يُدخِل الأمر إسرائيل إلى دوامةٍ عالميّةٍ ويؤثر سلبًا على عملية السلام مع الفلسطينيين.
الشقاقي اغتيل بخمس رصاصاتٍ والمُنفّذ تأكّد من قتله ولاذ بالفرار
بحسب أوساط الاحتلال، وأثناء تواجد الدكتور الشقاقي بجزيرة مالطا وفي 26 تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 1995، وبينما كان عائدًا إلى فندق (DIPLOMAT)،  الذي كان يقيم فيه لأيام قبل عودته إلى مقر إقامته في دمشق، سائقان (وهما عنصران إسرائيليان تابعان لـ”كيدون”) أطلقا خمس رصاصات من نوع “البارابيلوم” من عيار 9 ملم، وهي عبارة عن خرطوشة أسلحة نارية مدببة بدون إطار، وهي قصيرة المدى تقتل “الهدف” دون إصابة آخرين. واستقرت الرصاصات كلّها في رأس الشهيد، ما يعني أنّ الوحدة أرادت التأكد من قتله، وكانت غواصة في البحر تنتظر الجنديين لتعيدهما إلى إسرائيل.
لماذا يُطلق على (كيدون) لقب وحدة القتل؟
استنادًا إلى مصادر أجنبيّة، وهي الطريقة الإسرائيليّة التي باتت ممجوجة للالتفاف على الرقابة العسكريّة، قال موقع القناة الـ12 بالتلفزيون الإسرائيليّ إنّ وحدة القتلة، هكذا أسماها الموقع، “كيدون”، التابعة للموساد، تضم 40 منفّذ قتل، منهم 5 نساء، في العشرينيات من أعمارهم، لافتًا إلى أنّ كلّ عملية تصفية في العالم تتّم نسبها لهذه الوحدة السريّة، مُوضحًا أنّ من بين العمليات المنسوبة للوحدة اغتيال محمود المبحوح وحتى علماء الذرّة الإيرانيين، إلّا أنّ هذه العمليات تبقى طيّ الكتمان، على حدّ تعبيره.
المحلل الإستراتيجيّ الإسرائيليّ د. رونين برغمان: الوحدة المُختارة هي عمليًا (موساد داخل موساد)
وبرأي د. رونين بيرغمان، مُحلل الشؤون الإستراتيجيّة في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبريّة، فإنّ وحدة “كيدون”، في الموساد هي “موساد داخل موساد”، حيث تتدرّب الوحدة في مكانٍ معزولٍ، وحتى باقي عناصر الموساد لا يعرفون الأسماء الحقيقيّة لعناصرها. ومن المهّام الرئيسية التي يُكلّف بها عملاء (كيدون) تنفيذ مهّمات خاصة تتمثل في الخطف والإعدام والاغتيال، حيثُ خصص قادة الموساد هذه الوحدة الخاصّة لغرض الاغتيال والقتل، ويقوم أفراد الوحدة بالتدريب مرارًا على الهدف للوصول لعملية اغتيال ناجحة، حيث من أهم أهداف تأسيسها الردع والتخويف وإحباط النشاطات المعادية لإسرائيل كهدفٍ عامٍ للموساد، وفق صحيفة (يديعوت أحرونوت).

(كيدون) وتعني بالعربيّة الخنجر الذي يُغمَد هي الوحدة الوحيدة في العالم المُجازة رسميًا لتنفيذ الاغتيالات
وبحسب المصادر الأجنبيّة، فإنّ الوحدة هي التي قامت باغتيال القياديّ في حماس، محمود المبحوح، علمًا أنّ تل أبيب لم تُعلن مسؤوليتها عن العمليّة. (كيدون) وتعني الخنجر الذي يُغمد في البندقية أوْ (الحربة)، وهي وحدة ضمن قسم العمليات الخاصّة في الموساد (متسادا) والمسؤولة عن الاغتيالات بالجهاز، وتعتبر “كيدون” الوحدة الوحيدة في العالم المُجازة رسميًا لتنفيذ الاغتيالات، وتتكّون من فرقٍ، وكل ّفرقةٍ تضم اثني عشر شخصًا، وتسمى أيضًا (قيساريا).
وبحسب (يديعوت أحرونوت) يقوم الموساد بتدريب عناصر “كيدون” على كيفية التعامل مع السلاح وحماية الذات والاستهانة بالموت، حيث يتّم تدريب المرشحين على كيفية سحب المسدس أثناء الجلوس في مطعم إذا اقتضى الأمر، إما بالسقوط إلى الخلف على المقاعد أوْ إطلاق النار من تحت الطاولة، أو بالسقوط إلى الخلف ورفس الطاولة في الوقت نفسه ثم إطلاق النار، وكل ذلك في حركة واحدة، ولقد تمّ التساؤل ما الذي يحدث لمشاهد برئ؟ فقال أحد المتدربين: “تعلمنا أنّه لا يوجد شاهد بريء في موضع يحدث فيه إطلاق النار، فالشاهد سيرى موتك وموت شخص آخر، فإذا كان موتك، فهل تهتم إذا أصيب بالجراح؟ بالطبع لا”، وفق الأقوال التي نشرتها الصحيفة العبريّة.
الأوامر لعناصر (كيدون): قاتلاً أوْ مقتولاً
وأضاف: “الفكرة هي البقاء، بقاؤك أنتَ، يجب أنْ تنسى كلّ ما كنت قد سمعته عن العدل، ففي هذه المواقف إمّا أنْ تكون قاتلاً أوْ مقتولاً، وواجبك أنْ تحمى (الموساد)، أيْ أنْ تحمى نفسك، وبمجرد أنْ تفقد هذا تفقد عار الأنانية، حتى أنّ الأنانية تبدو سلعةً قيّمةً، شيئًا يصعب عليك أنْ تنفضه عنك عندما تعود إلى بيتك في آخر النهار”، على حدّ تعبيره.
ووفقًا للمصادر الأجنبيّة، نفذّت وحدة “كيدون” منذ إقامتها سلسلة طويلة جدًا من عمليات الاغتيال بنسبة نجاح لامست 100% فهي الوحدة المسؤولة عن اغتيال د. الشقاقي وعاطف بسيسو في باريس عام 1992، وهي من أغلق ما سُمّي بدائرة الحساب مع منفذي عملية ميونخ التي استهدفت الرياضيين الإسرائيليين الذين قدموا للمشاركة بدورة الألعاب الاوليمبية بمدينة ميونخ عام 1972، بمن فيهم قائد تنظيم (أكتوبر الأسود)، علي حسن سلامة، وهي التي اغتالت العالم المسؤول عن تطوير المدفع العملاق جيرالد بول عام 1989، إضافةً إلى إحراقها مخازن فرنسيّة احتوت على مكوناتٍ خاصّةٍ بالمفاعل النووي العراقيّ قبل اغتيال العالم بول بعشر سنين تقريبًا.
المُهمّة الرئيسيّة: مطاردة وقتل (الإرهابيين) في العالم
وتابعت المصادر عينها قائلةً إنّ أفراد وحدة “كيدون” انشغلوا بمطاردة مَنْ أسمتهم الصحيفة الإسرائيليّة بـ”الإرهابيين” في أرجاء العالم، إضافةً إلى تعقّب وتصفية علماء الذرّة وتجار السلاح، كذلك ملاحقة المجرمين النازيين الذين بقوا على قيد الحياة.
ويُعتبر عناصر هذه الوحدة نخبة النخبة في جهاز الموساد ومدربون على العمل تحت أسماء وشخصيات وهمية. علاوة على ذلك، الصمود في ظروف جسدية ونفسيه غاية في الصعوبة والتعقيد، حيث يمتد تدريبهم لفترةٍ طويلةٍ جدًا ويجري اختيارهم من بين صفوف العاملين في الموساد بمختلف أقسامه ووحداته.