ما المآلات المحتملة لتفشي جدري القرود؟

مع توالي الأنباء عن تزايد الإصابات بفيروس جدري القرود تتبادر تساؤلات عن السيناريو المستقبلي للإصابات، وتظهر المقارنات مع تفشي فيروس كورونا. فما المآلات المحتملة للتفشي الحالي من فيروس جدري القرود؟ وكيف يمكن مقارنته بكوفيد-19؟ وهل سنشهد تعايشا معه؟ وهل يمكننا التنبؤ بمساراته؟

قبل البدء نلفت إلى أن ما سنطرحه في هذا التقرير هو فرضيات محتملة بناء على المعطيات المتوافرة حاليا، ولكن قد تظهر معطيات جديدة وقد تحدث تغييرات في الفيروس، مما يغير من هذ الفرضيات واحتمالاتها.

ما المآلات المحتملة للتفشي الحالي لجدري القرود؟

جميعنا نذكر بداية تفشي فيروس كورونا، كان هناك العديد من التوصيات، ثم لاحقا تغيرت. مثلا في البداية لم يكن يوصى باستعمال الكمامات، وطلب أن يتم اقتصار استعمالها على الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، لاحقا تم تغيير هذه التوصية.

حاليا، ووفق المعطيات المتوافرة لدينا، فإن الاحتمالات كالتالي:
أولا: لن يكون تفشي جدري القرود الوباء العالمي التالي

السبب أنه عندما ظهر فيروس كورونا الجديد لم تكن له علاجات ولقاحات، لكن الأمر مختلف بالنسبة لجدري القرود الذي له لقاحات وعلاجات معروفة

فهناك عدة لقاحات فعالة موجودة في العالم ضد جدري القرود وأهمها “إيه سي إيه إم 2000″ (ACAM2000) و”جينيوس” (JYNNEOS) ونحن لا نزال في بداية هذا المرض، وبدأ توزيعها بالفعل. أما اللقاحات في وباء كورونا فقد ظهرت بعد حوالي 10 أشهر من بداية الجائحة. وهناك علاجات فعالة ضد جدري القرود متوفرة ومنها “تيكوفيرمات” (tecovirimat)..

أيضا رقم التكاثر الأساسي لجدري القرود بشكل عام يقدر بين 0.57 و1.25 كحد أقصى وفق تقرير وزارة الأمن الداخلي الأميركية. بالمقابل رقم التكاثر الأساسي لسلالة كوفيد-19 الأصلية من حوالي 3.0 إلى 3.3.

ورقم التكاثر الأساسي رمزه (R0) وينطق “آر نات” أو “آر زيرو” وهو يشير إلى متوسط ​​عدد الأشخاص الذين يتوقع أن ينقل الشخص المصاب المرض إليهم.

هذا يعني أن قابلية الانتشار أقل بالنسبة لجدري القرود مقارنة مع كورونا.

ثانيا: فيروس جدري القرود يتغير وقد نشهد ارتفاع الإصابات

مع أن فيروس جدري القرود من فيروسات “دي إن إيه” (DNA) والتي تحدث فيها طفرات بمعدل أقل من فيروسات “آر إن إيه” (RNA) مثل كورونا، إلا أن هذا لا يلغي احتمالية أن يمر بطفرات تجعله يتغير ويصبح أكثر قدرة على الانتقال، أو تجعله يطور أعراض أخرى.

مثلا، تصف دراسة جديدة نشرت في مجلة “بي إم جيه” (BMJ) الخصائص السريرية لعدوى جدري القرود أثناء التفشي الحالي، وتلفت إلى حدوث اختلاف في الأعراض.

وقال الباحثون إن الأعراض التقليدية لجدري القرود تشمل الحمى والتوع وتضخم العقدة الليمفاوية، وغالبا ما يكون مصحوبا بالصداع والتعرق. يندلع الطفح الجلدي في غضون 2-4 أيام، ويبدأ على شكل لطخات ويمر عبر حطاطات وحويصلات وبثور. هذه الآفات تتحول نهاية المطاف إلى قشرة وتسقط.

تحدث الآفات في نفس الوقت، ومعظمها على الوجه. ومع ذلك، لدى حوالي 75% من الأفراد، تظهر الآفات أيضا على الراحتين والأخمصين والأغشية المخاطية، وكانت الآفات التناسلية غير شائعة.

تحدث المضاعفات لدى بعض الأفراد، وبعضها يمكن أن يشمل التهاب الدماغ والالتهاب الرئوي وعدوى الجلد الجرثومية الثانوية وفقدان البصر بسبب إصابة العين. الرضع والأطفال حديثو الولادة، وكذلك أولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، أكثر عرضة للإصابة بجدري القردة المعقد.

في التفشي الحالي هناك اختلافات، منها:

بينما تأثر الأطفال في الغالب خلال التفشيات السابقة في البلدان الموبوءة، كان كل من الذكور البالغين والأطفال الأكثر انتشارا في الأوبئة الحديثة في هذه المناطق.
شمل التفشي الحالي الرجال بشكل أساسي وأثر بشكل شبه حصري على المثليين.
تقريبا جميع المرضى -الذين شملتهم الدراسة- في التفشي الحالي كان لديهم متوسط ​​5 آفات جلدية أو غشاء مخاطي في مراحل مختلفة من الشفاء.

حدوث طفرات في جدري القرود قد يعني ظهور سلالات أكثر شراسة وقدرة على التسبب بمشاكل ومضاعفات.

ثالثا: فيروس جدري القرود لن يتغير وسنواجه صعوبة في التصدي له

في هذ الاحتمالية فإن جدري القرود لا تحدث به طفرات، لكننا قد نواجه صعوبات في التعامل معه، أبرزها نقص التطعيمات. فصحيح أن اللقاحات موجودة، ولكن توفير كميات كبيرة منها قد يشكل تحديا.

على سبيل المثال ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن لقاحات جدري القرود قد لا تكون متاحة بسهولة للأميركيين المعرضين للخطر إذا استمرت الحالات في الارتفاع.

وأفادت الصحيفة بأن المسؤولين احتفلوا بوصول حوالي 800 ألف جرعة لقاح ضد جدري القرود في وقت سابق من هذا الأسبوع، لكنها أشارت إلى أن هذه اللقاحات ليست كافية لتغطية الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس، ولن تصل المزيد من الجرعات حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وحتى مع الجرعات الجديدة، فإن الولايات المتحدة لديها ما يكفي فقط لتطعيم ثلث المصنفين من المعرضين لخطر كبير البالغ عددهم 1.6 مليون نسمة، وفقا لما ذكرته الصحيفة.

في سياق متصل، نقل موقع أكسيوس الإخباري الأميركي عن رئيس جمعية الأمراض المعدية دانيال ماكويلين قوله “يجب على الولايات المتحدة أن تواصل زيادة إمدادات اللقاح ويجب أن تتحرك بسرعة لتنفيذ نهج توزيع شامل لزيادة الوصول العادل إلى اللقاحات بشكل كبير”.

هل يمكننا التنبؤ بمستقبل أي وباء؟

الجواب قد يكون صعبا، مثلا في موضوع وباء كورونا، يقول ديفيد داودي، عالم أوبئة الأمراض المعدية في كلية جونز هوبكنز بلومبيرغ للصحة العامة “أي شخص يقول إنه يستطيع التنبؤ بمستقبل هذا الوباء هو إما مفرط في الثقة أو كاذب” وذلك في تصريحات لرويترز.

وباء كوفيد أقرب مثال، وحاليا ورغم الجهود الكبيرة والإنجازات التي تم تحقيقها في التصدي له، يكشف تقرير لرويترز أنه مع اقتراب الشتاء الثالث لجائحة كورونا في نصف الكرة الأرضية الشمالي، يدعو العلماء الحكومات والسكان المنهكين على حد سواء إلى الاستعداد لمزيد من موجات كوفيد-19.

وفي الولايات المتحدة وحدها، قد يصل عدد الإصابات إلى مليون في اليوم هذا الشتاء، وفق ما ذكره لرويترز كريس موراي، رئيس معهد القياسات الصحية والتقييم، وهو مجموعة مستقلة في جامعة واشنطن تتابع الجائحة. وسيكون هذا حوالي ضعف الحصيلة اليومية الحالية.

وفي أنحاء المملكة المتحدة وأوروبا، يتوقع العلماء سلسلة من موجات كوفيد، حيث يقضي الناس مزيدا من الوقت في أماكن مغلقة خلال الأشهر الباردة، وهذه المرة دون وجود أي قيود تقريبا تتعلق بوضع الكمامات أو التباعد الاجتماعي.

ومع ذلك، وفي حين أن الحالات قد ترتفع مرة أخرى الأشهر المقبلة، فمن غير المرجح أن ترتفع الوفيات ومعدلات دخول المستشفيات بنفس الشدة، كما قال الخبراء. ويساعد في ذلك التطعيم وحملات الجرعات التنشيطية، والعدوى السابقة، فضلا عن وجود متحورات أقل شدة، وتوفر علاجات كوفيد ذات الفاعلية المرتفعة.

وتثير هذه التوقعات تساؤلات جديدة حول متى ستخرج الدول من مرحلة طوارئ كوفيد إلى حالة المرض المتوطن، إذ تشهد المجتمعات ذات معدلات التطعيم المرتفعة تفشيا أقل، وربما على أساس موسمي.

ظهور سلالات جديدة يعيق الانتقال لمرحلة المرض المتوطن

مثلا توقع العديد من الخبراء أن يبدأ الانتقال بالنسبة لكورنا أوائل عام 2022، لكن ظهور المتحور أوميكرون من فيروس كورونا أربك تلك التوقعات.

هذا يعيدنا إلى الاحتمال الثاني، وهو ظهور سلالات جديدة من جدري القرود، والتي ستجعل مسار الفيروس صعب التنبؤ.

في الختام هذه مجرد احتمالات، ويبقى أن نتأمل الأفضل، وهو انحسار تفشي جدري القرود، ونجاح العالم في التعافي من كورونا.