حقق المصري القديم تفوقا كبيرا في المجالات كافة أبرزها الطب والهندسة والفلك، ولم يغفل الاهتمام بالحرف والصناعات، ونتيجة لهذا الاجتهاد كان الملك الحاكم يقدم للمتميزين من الطلبة والعمال المكافآت، والهدايا التي تشجعهم على استكمال عملهم بالمزيد من المثابرة، حتى تمكن المصري القديم من حفر تاريخ نجاحه على الجداريات الفرعونية، التي نُقلت إلينا فيما بعد لنتعلم منهم الكثير.
حث الطلبة والعمال على الاجتهاد
رودي وحيد، مرشدة وباحثة آثار، قالت في حديثها لـ«» إن النصوص الأدبية للكهنة والحكام والمذكورة في كتاب مصر القديمة لعالم المصريات سليم حسن، تحث الطلبة والعمال على الاجتهاد وعدم تضييع الوقت، كما ركزت على احترام الحقوق وتقديم المكافآت للمتفوفين، وهو نفس الحديث الذي نردده لأبنائنا في الوقت الحالي: «الرسائل الفرعونية تقول لنا اجتهد في كل وقت، افعل أكثر مما هو مطلوب منك، لا تضيع الوقت إذا كنت قادرا على العمل».
تقدير جميع المهن والحرف
المصري القديم كان يؤمن بفكرة الترابط المجتمعي، من خلال تقدير كل طبقات وفئات المجتمع، بحسب حديث الباحثة إذ قدر الحاكم التلاميذ والعمال في كافة المجالات، والتي شملت الفلك والطب، بالإضافة إلى مكافأة المتميزين من أصحاب الحرف اليدوية، بما يجعلنا نقتدي بالمصري القديم في احترامه لجميع المهن، وعدم تفرقته بين متعلم أو صاحب حرفة، كما يفعل البعض في المجتمع من خلال تقسيم الكليات بين القمة والقاع، أو الاستهانة ببعض المهن.
مخاطبة الملك رمسيس الثاني لعمال المحاجر
استشهدت «رودي» في حديثها بنص للملك رمسيس الثاني، الأسرة 19، أورده العالم الفرنسي، جان بيير ماري مونتيه، في دراسته بعنوان «الحياة اليومية في مصر في عصر الرعامسة»، وهو نقش على لوحة تذكارية أقامها الملك في معبد أيونو، قال مخاطبا عمال المحاجر: «عينت لكم رجالا يحضرون لكم الطيور والأسماك، وآخرين يحسبون كم هو مستحق لكم، أمرت بتشييد ورشة فخار تصنع لكم الآواني الفخارية ليظل ماؤكم صافيا في الصيف».
ما بين العصر القديم والعصر الحالي
ربطت الباحثة في حديثها بين ما وجد في رسائل وجداريات الفراعنة السالف ذكرها، وبين عصرنا الحالي، موضحة أن سر نجاح المصري القديم وتأسيس حضارته العريقة التي ظلت صامدة آلاف السنين يرجع إلى إيمانه بالإنسان المجتهد سواء كان متعلمًا أو صاحب حرفة، ولذلك يتحتم علينا ألا نحكم على مستقبل أبنائنا من خلال مجموع دراجاته في الامتحانات وبصفة خاصة في امتحانات الثانوية العامة التي أصبحت مثل الشبح للأسر المصرية، بل نحترم قدراته ونحفزه على اختيار المجال الملائم له مهما كان، واضعين نصب أعيننا حضارتنا العريقة التي تأسست بتلاحم جميع الفئات والمهن، حسب تعبيرها.