رغم التعب وقلة النوم الذي يبدو على ملامح وجهها، إلا أن جسدها الهزيل أبى أن يستسلم لنداء الراحة، وبحقيبة ظهر ثقيلة مليئة بـ«شرابات ومناديل وملابس داخلية» صارت آيات عمر، تتجول فى الشوارع، على أمل أن تجد الزبائن الذين يساعدونها على التخلص من البضاعة التى تحملها، ويمكنها الحصول على عمولتها، فهى المسئولة عن الإنفاق عن أسرتها بعد انفصال والديها، على الرغم من أنها عمرها لم يتجاوز الـ17 ربيعا.
لا تتوقف حياة «آيات» عند هذا المشهد، فبعد عودتها إلى المنزل في منطقة «منطى» في شبرا الخيمة بالقليوبية، حيث تسكن مع والدتها وشقيقاتها الـ5، يبدو الوجه الآخر لها، حيث تنطلق في استذكار دروسها استعدادا للالتحاق بالصف الثالث الثانوي بالتعليم الأزهري، فالشهادة الجامعية بالنسبة لها طوق نجاة ولأسرتها في مستقبل أفضل.
انفصال والديها السبب في خروجها للعمل
تحكي «آيات»: «والدي ووالدتي انفصلوا من 3 سنين، كان عندي 14 سنة، ولاقيتنى أنا وأخواتي البنات مش لاقيين ناكل، فقررت أنزل أدور على شغل وأنا وأختي اللي بعدي على طول، والحمد لله الفلوس اللى بتيجي بنصرف منها على البيت».
خوف ورعب وقلق، مشاعر كانت تعيشها الفتاة العشرينية وهي تقرر البحث عن عمل؛ بينما كان عمرها لا يتجاوز الـ14 عاما، وما زالت في الصف الثالث الإعدادى، وكانت أول وظيفة لها هى «ديليفرى» منتجات استمرت فيها لمدة عامين: «في بداية شغلي كان الموضوع صعب عليا عشان ماكانش عندي علاقة بالشارع و كان بيطلب مني أسافر لمحافظات زي طنطا والشرقية وغيرها عشان بس أوصل أوردر».
تنوعت طلبات التوصيل التي كانت تقوم بها «آيات» الطالبة في معهد فتيات شبرا الخيمة، من ملابس لأجهزة كهربائية صغيرة مثل الخلاطات والمكاوي، ولكن فرحتها كانت كبيرة وهي تحمل أول مرتب في يدها وهو 2500 جنيه في الشهر: «بسرعة رحت بيهم لوالدتي وأديتها الفلوس علشان تقدر توفر مصاريف أخواتي من دروس ولبس وأختي الكبيرة بتعمل نفس الكلام».
من دليفري إلى مندوبة مبيعات
لكن فرحتها بالعمل «ديليفرى» لم تستمر كثيرًا، إذ سرعان ما اضطرت لتركه، وبدأت البحث عن عمل جديد، وبالفعل وجدت وظيفة كمندوبة مبيعات: «هي مش وظيفة سهلة خالص أنا بضطر ألف على رجلي من 9 الصبح لـ5، ولو مبعتش المنتجات اللي معايا بيزودوا ساعة علشان يرضوا يدوني أجرة اليوم، ومش بقدر أقول لا».
أكثر ما يرهق «آيات» في مهنتها كمندوبة مبيعات، هي المضايقات التي تتعرض لها، فأحيانا يعتبرها البعض متسولة ويوجه لها كلمات قاسية: «الشغل ده أوحش حاجة فيه أنك بتسمع كلام سلبي كتير من الناس زي ربنا يسهلك، ببقى عايز أقول للي قدامي حضرتك أنا بشتغل مش بشحت منك، في بنات كتير معايا في الشغل دخلوا في حالة نفسية وحشة جدا بسبب كلامهم السلبي وما قدروش يكملوا في الشغل بسبب كلام الناس».
حاليا لا تشعر بأي قلق، فهي في فترة الإجازة، لكن مع حلول أكتوبر ستبدأ الدراسة، إذ تخشى من عدم القدرة على الموازنة بين الدارسة والعمل في الوقت نفسه: «الموازنة بين الشغل والدراسة في ثالثة ثانوي صعبة جدا، هشتغل طول الشهرين دول وهبدأ مذاكرة مع الدراسة الفعلية في شهر 10، عشان أدفع مقدمات الدروس والمصاريف دي، وأشوف هاقدر أكمل إزاى، بس أنا مش قلقانة لأن ربنا عارف بحالي وحال عيلتي».