لم يتمكن العشريني هنداوي السيد من تحقيق حلمه في الإلتحاق بكلية الطب أو الأسنان، ليجد نفسه دون تخطيط مسبق، يجلس في أحد مدرجات كلية التمريض، بجامعة حلوان، يتلقى مواد عملية لم يستسيغها عقله، حتى قرر في شهره الأول بالكلية أن يمارس مهنة التمريض في إحدى حضّانات الأطفال في قريته المناشي بحي الوراق، ليُحدد بذلك هل سيتمكن من استكمال دراسته في هذا المجال أم لا.
دور هندواي مع الأطفال في الحضّانة
«من أول يوم في الحضّانة قررت أكمل في المهنة»، يروي هنداوي، أن قلبه تعلق بالأطفال الذين يستقبلهم كأول شخص بعد خروجهم من غرفة الولادة، لُيعد لكل حالة منهم ما تتطلبه، حيث يحتاج بعضًا منهم لأجهزة تنفس صناعي، ويحتاج آخرون لعلاج مشكلات بالرئة لولادتهم قبل آوانهم، كما يقوم بتقديم الرضاعة لهم عن طريق أنبوب تغذية: «في الأول كنت خايف جدًا لأني بتعامل مع كائنات بحجم كف اليد».
توثيق اللحظات الأولى في حياة الطفل
تغيُر نظرة هنداوي نحو مهنة التمريض جعلته يفكر في توثيق اللحظات الأولى في حياة المولود في فيديوهات على حسابه بموقع «فيسبوك»، بعد استئذان ذويهم، إذ يقوم بتنظيف الطفل بعد ولادته مباشرة، ومن ثم تلبيسه ملابسه، ويوثق هذه اللحظات، ويقدم أيضًا فيديوهات توعوية للأم التي تخشى التعامل مع الطفل الرضيع، ولا تعلم كيفية المواجهة الصحيحة للأمراض التي يولد بها الطفل، معقبًا: «الفيديوهات دي خلت ناس مش عايزة تخلف تفكر في الموضوع»، حسب وصفه.
«هنداوي» يقدم فيديوهات توعوية للأم
من أبرز الموضوعات التي ناقشها هنداوي في فيديوهاته، طرق الرضاعة الصحيحة، موضحًا ضرورة حرص الأم على أن يظل مجرى تنفس الطفل مفتوحًا وقت الرضاعة، وأن تسند رأسه بإحدى يديها ليمتد باقي جسده بطول ذراعها، وأن تراقب لون جسده من آن للآخر، حيث يشير اللون الأزرق إلى حدوث اختناق، كما يضع هندواي جدول رضاعة للأمهات، والتي تكون في البداية كل ساعتين أو 3 ساعات، فضلًا عن تقديمه فيديو حول التغذية السليمة للطفل من عمر يوم حتى عام.
وناقش هنداوي أيضًا مرض الصفراء الذي يُصاب به نسبة كبيرة من الأطفال حديثي الولادة، نتيجة ارتفاع مستويات مادة البيليروبين في الجسم، وهي مادة تنتج عن تفتت كريات الدم الحمراء الميتة في الكبد وتظهر بأعراض إصفرار في الجلد والعين، موضحًا: «الصفراء نوعين، نوع طبيعي بيختفي مع الرضاعة، والنوع التاني مرضي بيحتاج حضّانة»، بحسب حديث هنداوي، مؤكدًا أن عدم الاهتمام بحالة الصفراء المرضية قد تؤدي إلى ضمور في المخ وتشنجات تؤدي للوفاة.
ومع وصوله للعام الثالث في دراسته بالكلية، بدأ نشر فيديوهات لطلبة الثانوية العامة ليحمسهم على دخول كلية التمريض، من خلال إبراز مزاياها، ومجالات العمل المتاحة أمامهم بعد التخرج، معقبًا: «لقيت الكلية مش واخدة حقها فحبيت أعرف الناس بيها»، كما شارك زملاءه الممرضين والممرضات معلومات طبية تساعدهم على تطوير أنفسهم في المهنة.
هنداوي: أول درس تعلمته إزاي أكفن الطفل
أصعب اللحظات التي مرت على هندواي خلال عمله في الحضّانات تتمثل في موت الكثير من الأطفال على أجهزة التنفس الصناعي، معقبًا: «أول درس أتعلمته في الحضانة إزاي أكفن طفل لأن حالات الوفاة كتير»، ويعتبر أقسى المواقف التي شاهدها هو عدم رغبة الأهل في استلام الطفل وتمنيهم موته، لولادته بإعاقة أو تشوه خلقي.
الأمل هو دافعه الوحيد لاستكمال عمله
رغم صعوبات المهنة، وموت الكثير من الأطفال بين يديه، حرص هنداوي ألا يفقد إنسانيته، مُعتبرًا أن الأمل هو دافعه الوحيد ليستكمل في مجال التمريض وخاصة في عمل الحضّانات، إذ مرت عليه حالات كثيرة لأطفال توقفت كل أجهزة أجسامهم عن العمل، ومن ثم يعودون للحياة مرة آخرى بعد ساعة أو ساعتين: «أتعلمت أبذل كل جهدي للآخر وأراعي ربنا لأن دايمًا فيه أمل».