تفسير سورة الحج للشعراوي مكتوبة

هل تبحث عزيزي القارئ عن تفسير سورة الحج للشعراوي مكتوبة وتحب أن تطلع عليه كاملاً تابعنا في المقال التالي لقرائته.

تفسير سورة الحج للشعراوي مكتوبة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ( ١ ) ﴾ :
الخطاب هنا عام للناس جميعا، وعادة ما يأتي الخطاب الذي يطلب الإيمان عاما لكل الناس، إنما ساعة يطلب تنفيذ حكم شرعي يقول :يا أيها الذين آمنوا.
لذلك يقول هنا : ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم.. ( ١ ) ﴾ [ الحج ] :يريد أن يلفتهم إلى قوة الإيمان، وكلمة ﴿ اتقوا ربكم.. ( ١ ) ﴾ [ الحج ] :التقوى :أن تجعل بينك وبين ما أحدثك عنه وقاية، أي :شيئا يقيك العذاب الذي لا طاقة لك به.
ونلحظ أن الله تعالى يقول مرة : ﴿ اتقوا الله.. ( ١٩٤ ) ﴾ [ البقرة ]، ومرة يقول : ﴿ { فاتقوا النار.. ( ٢٤ ) ﴾ [ البقرة ] :نعم، لأن المعنى ينتهي إلى شيء واحد. معنى : ﴿ فاتقوا النار.. ( ٢٤ ) ﴾ [ البقرة ] :أي :اجعل بينك وبينها وقاية تحميك منها، ويكون هذا بفعل الأمر وترك النهي.

تفسير سورة الحج

وقوله : ﴿ اتقوا الله.. ( ١٩٤ ) ﴾ [ البقرة ] :لأن لله تعالى صفات جمال، وصفات جلال، صفات الجمال كالرحمن، والرحيم، والباسط، والستار، وصفات الجلال كالقهار والجبار وغيرها مما نخاف منه.
فاجعل بينك وبين صفات الجلال وقاية، فليست بك طاقة لقاهريته، وبطشه سبحانه، والنار من جنود الله، ومن مظاهر قهره. فكما نقول :اتق الله نقول :اتق النار.
واختار في هذا الأمر صفة الربوبية، فقال : ﴿ اتقوا ربكم.. ( ١ ) ﴾ [ الحج ]، ولم يقل :اتقوا الله، لأن الرب هو المتولي للرعاية وللتربية، فالذي يحذرك هو الذي يحبك ويعطيك، وهو الذي خلقك ورباك ورعاك.فالربوبية عطاء :إيجاد من عدم وإمداد من عدم، فأولى بك أن تتقيه، لأنه قدم لك الجميل.
أما صفة الألوهية فتعني التكاليف والعبادة بافعل ولا تفعل، الله معبود ومطاع فيما أمر وفيما نهى.

سورة الحج تفسير

ثم يقول تعالى : ﴿ إن زلزلة الساعة شيء عظيم ( ١ ) ﴾ [ الحج ] :الزلزلة :هي الحركة العنيفة الشديدة التي تخرج الأشياء عن ثباتها، كما لو أردت أن تخلع وتدا من الأرض، فعليك أولا أن تهزه وتخلخله من مكانه، حتى تجعل له مجالا في الأرض يخرج منه، إنما لو حاولت جذبه بداية فسوف تجد مجهودا ومشقة في خلعه، وكذلك يفعل الطبيب في خلع الضرس.
فمعنى الزلزلة :الحركة الشديدة التي تزيل الأشياء عن أماكنها، والحق سبحانه وتعالى تكلم عن هذه الحركة كثيرا فقال : ﴿ إذا رجت الأرض رجا ( ٤ ) ﴾ وبست١ الجبال بسا ( ٥ ) فكانت هباء منبثا ( ٦ ) } [ الواقعة ].

سورة الحج

ويقول : ﴿ إذا زلزلت الأرض زلزالها ( ١ ) وأخرجت الأرض أثقالها ( ٢ ) وقال الإنسان ما لها ( ٣ ) يومئذ تحدث أخبارها ( ٤ ) بأن ربك أوحى لها ( ٥ ) ﴾ [ الزلزلة ].
فالزلزال هنا ليس زلزالا كالذي نراه من هزات أرضية تهدم بعض البيوت، أو حتى تبتلع بعض القرى، فهذه مجرد آيات كونية تثبت صدق البلاغ عن الله، وتنبهك إلى الزلزال الكبير في الآخرة، إنه صورة مصغرة لما سيحدث في الآخرة، حتى لا نغتر بسيادتنا في الدنيا فإن السيادة هبة لنا من الله.
وعندما حدث زلزال ” أغادير ” لاحظوا أن الحيوانات ثارت وهاجت قبل الزلزال بدقائق، ومنها ما خرج إلى الخلاء، فأي إعلام هذا ؟ وأي استشعار لديها وهي بهائم في نظرنا لا تفهم ولا تعي ؟.
إن في ذلك إشارة للإنسان الذي يعتبر نفسه سيد الكون :تنبه، فلولا أن الله سيدك لوكزتك هذه البهائم فقضت عليك.
نقول :ليس هذا زلزالا عاما، إنما هو زلزال مخصوص منسوب إلى الأرض بوحي من الله، وبأمر منه سبحانه أن تتزلزل.
لذلك وصف هذا الزلزال بأنه شيء عظيم : ﴿ إن زلزلة الساعة شيء عظيم ( ١ ) ﴾[ الحج ] :فحين تقول أنت أيها الإنسان :هذا شيء عظيم فهو عظيم بمقياسك أنت، أما العظيم هنا فعظيم بمقاييس الحق سبحانه، فلك أن تتصور فظاعة زلزال وصفه الله سبحانه بأنه عظيم.
لقد افتتحت هذه السورة بزلزال القيامة، لأن الحق سبحانه سبق أن قال : ﴿ واقترب الوعد الحق.. ( ٩٧ ) ﴾ [ الأنبياء ] :فلا بد أن يعطينا هنا صورة لهذا الوعد، ونبذة عما سيحدث فيه، وصورة مصغرة تدل على قدرته تعالى على زلزال الآخرة، وان الأرض ليس لها قوام بذاتها، إنما قوامها بأمر الله وقدرته، فإذا أراد لها أن تزول زالت.

وأخرجت الأرض أثقالها

وكذلك في قوله تعالى : ﴿ وأخرجت الأرض أثقالها ( ٢ ) ﴾ [ الزلزلة ] :
فما نراه من البراكين ومن الثروات في باطن الأرض وعجائب يقع تحت هذه الآية، لذلك قال تعالى : ﴿ له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ( ٦ ) ﴾ [ طه ] :
وما دام الحق سبحانه يمتن بملكية ما تحت الثرى فلا بد أن تحت الثرى ثروات وأشياء نفيسة، ونحن الآن نخرج معظم الثروات من باطن الأرض، ومعظم الأمم الغنية تعتمد على الثروات المدفونة من بترول ومعادن ومناجم وذهب.. الخ.
وسبق أن ذكرنا أن الحق- سبحانه وتعالى- بعثر الخيرات في كونه، وجعل لكل منها وقته المناسب، فالرزق له ميلاد يظهر فيه : ﴿ وما ننزله إلا بقدر معلوم ( ٢١ ) ﴾ [ الحجر ].
١ – بسه: فته وجعله أجزاء دقيقة. أي: فتتت تفتيتا شديدا. [القاموس القويم ١/٦٦]..
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﰁ​
ثم يقول الحق سبحانه :
﴿ يوم ترونها تذهل١ كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ( ٢ ) ﴾ :
والرؤية :قلنا قد تكون رؤية علمية أو رؤية بصرية، والشيء الذي نعلمه إما :علم اليقين، وإما عين اليقين، وإما حقيقة اليقين.
علم اليقين :أن تخبر من تثق به بشيء، كما تواترت الأخبار عن الرحالة بوجود قارة أسموها فيما بعد أمريكا، وبها كذا وكذا، فهذا نسميه ” علم يقين “، فإذا ركبت الطائرة إلى أمريكا فرأيتها وشاهدت ما بها فهذا ” عين اليقين ” فإذا نزلت بها وتجولت بين شوارعها ومبانيها فهذا نسميه ” حقيقة اليقين “.
لذلك، حين يخبر الله تعالى الكافرين بأن هناك عذاب في النار فهذا الإخبار صادق من الله فعلمنا به ” علم يقين “، فإذا رأيناها فهذا ” عين اليقين ” كما قال سبحانه : ﴿ ثم لترونها عين اليقين ( ٧ ) ﴾ [ التكاثر ].
فإذا ما باشرها أهلها، وذاقوا حرها ولظاها- وهذا مقصور على أهل النار- فقد علموها حق اليقين، لذلك يقول تعالى : ﴿ وأما إن كان من أصحاب اليمين ( ٩٠ ) فسلام لك من أصحاب اليمين ( ٩١ ) وأما إن كان من المكذبين الضالين ( ٩٢ ) فنزل من حميم ( ٩٣ ) وتصلية جحيم ( ٩٤ ) إن هذا لهو حق اليقين ( ٩٥ ) فسبح باسم ربك العظيم ( ٩٦ ) ﴾ [ الواقعة ] :
ومعنى : ﴿ تذهل كل مرضعة عما أرضعت.. ( ٢ ) ﴾ [ الحج ] :الذهول :هو انصراف جارحة عن مهمتها الحقيقية لهول رأته فتنشغل بما رأته عن تأدية وظيفتها، كما يذهل الخادم حين يرى شخصا مهيبا أو عظيما، فيسقط ما بيده مثلا، فالذهول- إذن- سلوك لا إرادي قد يكون ذهولا عن شيء تفرضه العاطفة، أو عن شيء تفرضه الغريزة.
العاطفة كالأم التي تذهل عن ولدها، وعاطفة الأمومة تتناسب مع حاجة الولد، ففي مرحلة الحمل مثلا تجد الأم تحتاط في مشيتها، وفي حركاتها، خوفا على الجنين في بطنها، وهذه العاطفة من الله جعلها في قلب الأم للحفاظ على الوليد، وإلا تعرض لما يؤذيه أو يودي بحياته.
لذلك، لما سألوا المرأة العربية عن أحب أبنائها، قالت :الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يعود، والمريض حتى يشفى، فحسب الحاجة يعطي الله العاطفة، فالحامل عاطفتها نحو ولدها قوية، وهي كذلك في مرحلة الرضاعة.
فانظر إلى المرضعة، وكيف تذهل عن رضيعها وتنصرف عنه، وأي هول هذا الذي يشغلها، ويعطل عندها عاطفة الأمومة والحنان ويعطل حتى الغريزة.
وقد أعطانا القرآن صورة أخرى في قوله تعالى : ﴿ يوم يفر المرء من أخيه ( ٣٤ ) وأمه وأبيه ( ٣٥ ) وصاحبته وبنيه ( ٣٦ ) ﴾ [ عبس ].
ومن عظمة الأسلوب القرآني أن يذكر هنا الأخ قبل الأب والأم، قالوا :لأن الوالدين قد يوجدان في وقت لا يرى أنهما في حاجة إليه، ولا هو في حاجة إليهما لأنه كبر، أما الأخ ففيه طمع المعونة والمساعدة.
وقوله تعالى : ﴿ كل مرضعة.. ( ٢ ) ﴾ [ الحج ] :
والمرضعة تأتى بفتح الضاد وكسرها :مرضعة بالفتح هي التي من شأنها أن ترضع وصالحة لهذه العملية، أما مرضعة بالكسر فهي التي ترضع فعلا، وتضع الآن ثديها في فم ولدها، فهي مرضعة.
فانظر- إذن- إلى مدى الذهول والانشغال في مثل هذه الحالة.
وقوله تعالى : ﴿ وتضع كل ذات حمل حملها.. ( ٢ ) ﴾ [ الحج ] :بعد أن تكلم عن المرضع رقى المسألة إلى الحامل، ومعلوم أن الاستمساك بالحمل غريزة قوية لدى الأم حتى في تكوينها الجسماني، فالرحم بمجرد أن تصل إليه البويضة المخصبة ينغلق عليها، كما قال سبحانه وتعالى : ﴿ ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى.. ( ٥ ) ﴾ [ الحج ] :
فإذا ما جاء وقت الميلاد انفتح له بقدرة الله، فهذه- إذن- مسألة غريزية فوق قدرة الأم ودون إرادتها. إذن :وضع هذا الحمل دليل هول كبير وأمر عظيم يحدث.
والحمل نوعان :ثقل تحمله وهو غيرك، وثقل تحمله في ذاتك، ومنه قوله تعالى : ﴿ وساء لهم يوم القيامة حملا ( ١٠١ ) ﴾ [ طه ] :والحمل ( بكسر الحاء ) :هو الشيء الثقيل الذي لا يطيقه ظهرك، أما الحمل بالفتح فهو :الشيء اليسير تحمله في نفسك. وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
ليس يحمل ما أطاق الظهر**** ما الحمل إلا ما وعاه الصدر
أي :أن الشيء الذي تطيق حمله ويقوى عليه ظهرك ليس بحمل، إنما الحمل هو الهم الذي يحتويه الصدر.
ثم يقول سبحانه : ﴿ وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ( ٢ ) ﴾ [ الحج ] :سكارى :أي يتمايلون مضطربين، مثل السكارى حين تلعب بهم الخمر، ( وتطوحهم ) يمينا وشمالا، وتلقي بهم على الأرض، وكلما زاد سكرهم وخروجهم عن طبيعتهم كان النوع شديدا.
وهكذا سيكون الحال في موقف القيامة لا من سكر ولكن من خوف وهول وفزع ﴿ وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ( ٢ ) ﴾ [ الحج ].
لكن، من أين يأتي اضطراب الحركة هذا ؟.
قالوا :لأن الله تعالى خلق الجوارح، وخلق في كل جارحة غريزة الانضباط والتوازن، وعلماء التشريح يحددون في الجسم أعضاء ومناطق معينة مسئولة عن حفظ التوازن للجسم، فإذا ما تأثرت هذه الغدد والأعضاء يشعر الإنسان بالدوار، ويفقد توازنه، كأن تنظر من مكان مرتفع، أو تسافر في البحر مثلا.
فهذا الاضطراب لا من سكر، ولكن من هول ما يرونه، فيحدث لديهم تغييرا في الغدد والخلايا المسئولة عن التوازن، فيتمايلون، كمن اغتالته الخمر.
وقوله تعالى : ﴿ ولكن عذاب الله شديد ( ٢ ) ﴾ [ الحج ] :إنهم لم يروا العذاب بعد، إنها مجرد قيام الساعة وأهوالها أفقدتهم توازنهم، لأن الذي يصدق في أن القيامة تقوم بهذه الصورة يصدق في أن بعدها عذابا في جهنم، إذن :انتهت المسألة وما كنا نكذب به، ها هو ماثل أمام أعيننا.