«المنقذ» أو «المدير».. أي رئيس يريد لبنان ؟

كلف الدستور اللبناني رئيس الجمهورية بسلسلة صلاحيات يمكن اختصارها بمهمتين أساسيتين تضمنان له ممارسة كل الصلاحيات المنوطة به وهما: احترام الدستور، والحفاظ على استقلال لبنان وسلامة أراضيه. ومن هنا يجب البدء بالبحث عن الرئيس الفعلي للبلاد في الأروقة السياسية من كتل برلمانية وأحزاب ينكب بعضها في البحث عن «المنقذ»؛ أي رئيس ينقذ لبنان من الانهيارات المالية والسياسية، فيما يبحث البعض الآخر عن «المدير»؛ أي رئيس يدير البلاد المأزومة، ودرجت العادة أن يأتي هذا النوع من الرؤساء وفقاً لصفقة أو لتسوية بين الأطراف الأساسيين فيما تكون الأطراف الأخرى إما شاهد زور أو متفرجة وربما مغلوبة على أمرها.

الرؤساء الذين يجري البحث عنهم وفقاً لأجندة كل طرف أو حزب، مهامهم سياسية بحتة وليست دستورية. إذ إن مهام الرئيس المنقذ على سبيل المثال هو إنقاذ لبنان فقط من هيمنة حزب الله، ومن أجل ذلك لا بد من عمليات كر وفر سياسي بين الجميع والتي ستكون لها دون شك تداعيات سلبية إضافية على البلد المنهار أصلاً، أما مهام المدير فهو عبارة عن موظف عند حزب الله يدير الأزمة القائمة في البلاد.

مواصفات الرئيس المطلوب

فكفة أي من الرؤساء المطروحة صفاتهم سترجح؟

الاتصالات والاصطفافات وضعت على النار، لكنها لم تنضج بشكل كامل، فرئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط يفضل انتخاب رئيس لا يكون استفزازياً لأحد. فيما يفضل حزب الله وحلفاؤه رئيساً على شكل ميشال عون أي رئيس يدفع البلد إلى الانهيار عندما تقتضي الحاجة. فيما جبران باسيل يريد رئيساً على مقاسه. ولا يمانع رئيس مجلس النواب نبيه بري بأي تسوية شرط أن لا يكون الرئيس نسخة عن عون وصهره. ويريد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع رئيساً قوياً، رئيس تحد ومواجهة.

النواب السياديون والتغيريون والمستقلون يريدون رئيساً يملك برنامجاً أو خطة اقتصادية، وهذا المطلب كان الأغرب لأن رئيس الجمهورية وفقاً للدستور ليس مطالباً بأي برنامج.

أما النواب السُنة فما زالوا يتحضرون للاجتماع الكبير الذي سيعقد تحت عباءة دار الفتوى في الرابع والعشرين من الشهر الجاري للبحث في مواصفات الرئيس الذي يريدونه.

وهنا يُطرح السؤال التالي: الكل يطرح مواصفات للرئيس المرتقب وفقاً لرؤيته لمسار الأمور، فمن هو الطرف الذي سيتنازل ولصالح من؟ هل سينتخبون رئيساً وفق تسوية ترضي الجميع؟ هل يهبط رئيس على الجمهورية من خارج هذه المنظومة؟

مؤسسات معطلة

وللإجابة على هذه التساؤلات، اعتبر مدير مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية وأستاذ العلوم السياسية الدكتور سامي نادر، أن المطلوب رئيس يعيد الجمهورية التي تفككت وخرجت عن إطارها الصحيح، لافتاً إلى أن كل مؤسسات الجمهورية باتت إما منهارة أو على وشك الانهيار، فالحكومة معطلة، والحكومة المرتقبة لم تُشكل، ومجلس النواب شبه مغلق، ورئاسة الجمهورية مهددة بالفراغ، والمؤسف أن هذا الواقع صار قاعدة، فمنذ ١٥ عاماً والمؤسسات لم ينتظم عملها، وهي بحالة تعطيل شامل لمصلحة قوى بالإقليم وقوى الأمر الواقع؛ أي حزب الله الذي أثبت أنه القابض الوحيد على الجمهورية، والنتيجة هو ما نجنيه اليوم من انهيارات لم يجرؤ أحد أن يخطو خطوة واحدة لوقفها.

وعما هو مطلوب من الرئيس المرتقب لاستعادة الجمهورية، قال نادر لـ«»: إن الرئيس الجديد بالطبع لن يكون «سوبر مان»، وقبل أن ندخل بالمطالب، علينا الطلب من نواب البرلمان الـ١٢٨ بالخطوة الأولى نحو استعادة الجمهورية، وهي انتخاب رئيس قبل ٢٠ أكتوبر القادم، على أن يلي هذا الانتخاب تشكيل حكومة لكسر القاعد السائدة في كل الاستحقاقات أي «التعطيل». نحن بحاجة إلى قوة تعطل هذا التعطيل، وهذه القوة يجب أن تنبثق من نواب الأمة ليقفوا سداً منيعاً بوجه هذه الممارسات.

لا مؤشرات على حدوث اختراق

وبالعودة للاختلاف على شكل وصفات الرئيس وما قد ينتج عنه قال: ليختلفوا، المهم أن يذهبوا في الموعد الدستوري لانتخاب الرئيس، لا أن ينتظروا التسوية التي تصلهم كما درجت العادة جاهزة، فيما يقتصر دورهم على التمثيل أنهم نواب منتخبون من الشعب فيما هم بخضوعهم للأجندات لا يمثلون الشعب. على هؤلاء النواب أن يثبتوا أنهم سلطة تشريعية حقيقية وأنهم أسياد قرارهم، لذلك عليهم أن ينتخبوا الرئيس في الموعد الدستوري. وأضاف: عندما تتحقق هذه الخطوة نكون قد قطعنا شوطا على طريق استعادة الجمهورية، لافتاً إلى أن الواقع يقول غير ذاك، لأن غالبية الأطراف السياسية أثبتت أنها ما زالت تنتظر نتائج ما يحدث في الإقليم رغم أن هناك أطرافاً أخرى مستعدة للذهاب للانتخاب في الموعد الدستوري ولكنها قد تصطدم بفقدان النصاب، والتجارب السابقة خير دليل، مع بروز الفتاوى التي كرست قراءة فريق سياسي معين للدستور وعطلوا مجلس النواب حتى يرضخ الجميع لمرشحهم.

وأكد نادر أنه لا مؤشرات بأن هناك تغييرا سيحصل في الواقع القائم أو في النظام القائم أي نظامي التعطيل والمحاصصة، رغم بروز بعض التغييرات التي حصلت بعد الانتخابات البرلمانية لكنها ليست بالقدر الكافي لعملية تغيير حقيقية، وبالتالي أرجح أن تبقى عملية انتخاب رئيس خاضعة للمعايير السابقة بمعنى أن تأتي كلمة السر من الخارج لأن اللبنانيين أثبتوا أنهم غير قادرين على إدارة هذا البلد.