في خطوة مهمة في طريق استعادة الدور السوري في القضايا العربية الاستراتيجية، أعلنت حركة “حماس” عزمها على بناء وتطوير علاقات راسخة مع سوريا، لافتة إلى دعمها كل الجهود من أجل استقرارها وعودة دورها ومكانتها في الأمتين العربية والإسلامية.
صرحت “حماس”، في بيان، أن “سوريا احتضنت الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة لعقود من الزمن، ما يستوجب الوقوف معها في ظل ما تتعرض له من عدوان غاشم”.
وأكد مراقبون أن “حماس” التي تقاطعها معظم الحكومات العربية، وجدت في سوريا “ملاذا آمنا”، وسعت لإعادة العلاقات كما تقتضي المصلحة السياسية، لا سيما في ظل التحول الكبير في علاقات بعض الدول مع دمشق، خاصة تركيا.
مراهنة خاطئة
اعتبر الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي السوري، أن الخلاف ما بين “حماس” والدولة السورية، كان في الأساس أمرا خارجا عن السياق الموضوعي السياسي والجيوبوليتيكي للمنطقة، فالمصلحة المؤكدة للشعب الفلسطيني وقواه المقاومة تعتمد على الاستفادة من الدعم السياسي والعمق الاستراتيجي الذي تمثله سوريا.
وتابع أن سوريا تحملت عبء استضافة حركات المقاومة الفلسطينية، وهو ما أدى إلى اتهامها من قبل الغرب بدعم الإرهاب، وتعرضها لطيف واسع من العقوبات والاستهداف السياسي الموجه ضد الحكومة السورية، حيث كان مطلب إبعاد “حماس” بالذات عن سوريا مصدرا للضغوط المستمرة والتهديدات الأمريكية والغربية المباشرة وغير المباشرة.
وبحسب حديثه لـ”سبوتنيك”، فإن الموقف الملتبس والمساهم في استهداف سوريا من قبل بعض الشخصيات السياسية في “حماس” لم يكن في حسابات التوازنات السياسية أقل من إطلاق النار على الحليف، ومن حيث المحصلة، الدفع نحو تجريد المقاومة الفلسطينية من داعمها الأساسي والوحيد تقريبا على الساحة العربية.
وتابع: “لم تكن مراهنة بعض الشخصيات السياسية في حماس على التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية أقل من انحراف في البوصلة وإضاعة للأولويات المتمثلة في أسبقية ومحورية وأحادية التركيز على المقاومة والتحرير بوصفهما أولويتان مطلقتان للشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال وسياسات الفصل العنصري، ومن هنا فإن عودة العلاقات ما بين الجانبين تمثل مصلحة أكيدة لأية حركة مقاومة فلسطينية شريفة وجادة في تحقيق أهدافها”.
وعلى مستوى التغيرات والتطورات في المنطقة، يرى دنورة أن انهيار المشروع الغربي لإسقاط الدولة السورية ووصوله إلى طريق مسدود، قد دفع المجموعات المعادية للدولة السورية إلى إعادة حساباتها على أسس جديدة.
واعتبر أن ظهور معالم التحول في مواقف بعض الدول التي مثلت مرجعية طارئة وغير مستقرة لحماس أدى بلا شك إلى عزل المجموعات المناهضة لسوريا، وظهور انتهاء تاريخ صلاحيتها لتصدر المشهد السياسي في الحركة، وعودة النخب التي تركز على أولوية المقاومة إلى الواجهة.
وأوضح أن انكشاف أوراق العدوان على سوريا والدور الغربي فيه، فضلا عن الاعتداءات الإسرائيلية التي تقدر بالمئات خلال العقد الماضي والحالي، جعلت موقف مستهدفي سوريا ضمن الحركة ضعيفا.
وأضاف أن ظهور التحولات العربية والإقليمية، ومنها التركية، تجاه الوضع في سوريا، ساهم هو الآخر في تهيئة الظروف للتحول الإيجابي في إطار استعادة العلاقات بين الجانبين.
هدف حماس
في السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، مصباح أبو كرش، إن ملف استئناف “حماس” علاقاتها مع سوريا كان سببا في حدوث نقاشات حمساوية داخلية كثيرة على مستوى قواعدها الحركية ما بين مؤيد ومعارض لعودة هذه العلاقات، حيث تُعَبر هذه الحالة الصحية في اختلاف الآراء عن الصعوبة الكبيرة التي واجهها المستوى السياسي الأول في “حماس” عند أخذ أي قرار من هذا النوع.
وبحسب حديثه لـ”سبوتنيك”، فإن قرار “حماس” السياسي بالخصوص مرتبط باعتبارات ومتغيرات عدة لا تزال تحدث في الإقليم، وإن لم يكن حصاد الحركة السياسي سريعا بسبب عودة علاقتها مع سوريا فلا يُعتقد أن حصادها المستقبلي على إثر ذلك سيكون في صالحها، وخاصة على مستوى علاقتها بحاضنتها الإسلامية والعربية.
وأكد أن الظروف التي تمر بها حركة “حماس” بشكل عام في ظل مقاطعة معظم الحكومات العربية لها، ووجودها كأحد ركائز محور المقاومة في المنطقة يجعل من عودة هذه العلاقة أمرا مشروعا بلغة العمل السياسي، على أمل أن تستفيد من ذلك في حال حدوث أي متغير دولي كبير.
وأعربت “حماس” في بيانها عن “تقديرها لسوريا قيادة وشعبا، ولدورها في “الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”.
وأضافت أنها تتطلع لاستعادة سوريا دورها ومكانتها في الأمتين العربية والإسلامية، وتدعم كل الجهود من أجل استقرارها وازدهارها وتقدمها”، مؤكدة رفضها لأي مساس بوحدة سوريا، مشيرة إلى أنها “ستمضي في بناء وتطوير علاقات راسخة مع سوريا”.
يذكر أن العلاقات بين “حماس” وسوريا كانت شبه مجمدة منذ عام 2012، إثر اندلاع الحرب الأهلية السورية ومغادرة قيادات الحركة العاصمة السورية دمشق.