قصص ناطقة بـ «عدل الملك عبدالعزيز»

استعرض اللواء الدكتور بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود، في كتابه «العدل أساس الملك»، قصصاً تجسد عدل الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، حيث ساهم العدل في هذه الأرض الطاهرة على استمرارها في تطور وخير وأمن وأمان من عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

وركزت القصص التي شهدها الرواة ووثقها الرحالة والمؤلفون على عدل الملك عبدالعزيز.

وأشار سموه في كتابه إلى أن الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه يحرص على اختيار الرجال المخلصين الأوفياء الذين يتميزون باستقلالية الرأي والقدرة على المشورة الحقيقية، والاستعداد للتضحية من أجل بلدهم، فالعمل عنده تكليف لا تشريف. كما كان دائم الحث لأولاده ومعاونيه على ضرورة الاهتمام بمشاكل الناس، والعمل ليل نهار على تفقد شؤونهم، والاستجابة لمطالبهم. وكان كثير الحب لشعبه، وشديد الحرص على الاتصال بهم. ولهذا كان دائم الحث على ضرورة أتصال الراعي بالرعية وهذا ما سار علية أبناؤه من بعده.

«ما لك سنع»…

ومن القصص التي حرص المؤلف على ذكرها ما رواه محمد جال كشك عن حرص الملك عبد العزيز طيب الله ثراه على العدل وعدم محاباته لأمير أو وزير، أو أحدا من أهل بيته، وروى عبد الله السديري قصة عميقة الدلالة، حيث دخل الملك عبدالعزيز إلى حفل غداء عند الموظف المختص بتنفيذ عطايا الملك للذين يأتون للديوان في طلب المساعدة. وشاء حظ الداعي صاحب المنزل أن ينصب المائدة في الطابق الثاني، وكان ارتفاع المنزل في ذلك العهد هو دليل على الثراء الفاحش. فأخذ الملك عبد العزيز يصعد درجات السلم، وكلما صعد درجة يضرب بعصاه الأرض ثم يقول: «ما لك سنع.. ما لك سنع» وسط دهشة مرافقيه فلما استقر به المجلس، سألوه التفسير، فقال: «صاحب الدار» يعرض علينا مطالب الناس، فنأمر لهم بمبالغ يأخذها لنفسه، ويقول لصاحب الحاجة: «ما لك سنع».. أي لم يأمر الملك بتسنيعك، ولم يأمر لك بشيء. بينما يأخذها

فهذا البنيان والبيت من حقوق الذين قال لهم: «ما لك سنع».

المسنة فاطمة الشافعي

وفي المحاضرة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ذاكرة الوطن بجامعة أم القرى، عندما كان أميراً لمنطقة الرياض، يوم السبت 21 /‏3 /‏1429هـ، الموافق 29/‏ 3/‏ 2008م، التي طبعتها دارة الملك عبدالعزيز مشكورة في كتيب بعنوان: ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز. وذكر فيها حكاية المرأة المسنة المشهورة، التي تعتبر من آلاف الحكايات التي هي أقرب إلى الخيال من الحقيقة، وتؤكد عدل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الإمام العادل؛ حيث طلب الدكتور محمود سفر، وزير الحج الأسبق الكلمة ليحكي القصة التالية:

لم يكن في نيتي أن أتحدث في هذه الليلة، وفي هذا المحيط الجامعي المبارك، في هذه البلدة الكريمة، غير أنك أثرت شجوننا للحديث عن الملك عبدالعزيز في عدة جوانب. هذه السيدة هي جدتي لأبي، هي والدة أبي، واسمها فاطمة

بنت عبدالله الشافعي من ثقيف الطائف، كانت في الطائف عندما حدثت معركة الطائف التي توفي فيها زوجها، فخرجت إلى مكة المكرمة بصحبة والدها وأبنائها. وقد روت لي هذه القصة، وأرويها هنا نيابة عنها، وهي في دار الحق عزّ وجل لأنها شهادة تدل على عظمة الملك عبدالعزيز وحكمته وعلى حلمه وتواضعه:

وجدت السيدة أن أحد أقاربها استولى على ممتلكاتها، واستصدر من المحكمة ما يقضي بملكيتها له فانزعجت. وقيل لها: هنالك أمير لمكة المكرمة اذهبي إليه. قالت أين هو؟ قالوا لها: في السقاف. فذهبت إليه هنالك.

وكان الملك عبد العزيز خارجاً من القصر فقالت: يا عبدالعزيز.. يا عبدالعزيز، بلهجتها البدوية العفوية المنزعجة. فرآها الملك عبد العزيز. وعندما حاول منعها بعض الحرس من الوصول إليه، قال لهم: كبوها. كبوها. أي أتركوها.

فخاطبت الملك عبد العزيز بحدة وعنفوان، لكن هذا لم يزعجه. قالت: يا عبدالعزيز، في الطائف قتل رجالنا، ونهبت أموالنا في مكة. فاستغرب الملك وهدأ من روعها. فسألها: ما قصتك وما ذا حصل لك؟.

فقالت له: إنه قاضٍ من قضاتك وضعته في المحكمة، حكم بالظلم. فطلب الملك ابن جميعة وقال له: اكتب: من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، إلى القاضي فلان آل فلان. أنا وكيل هذه السيدة شرعاً أمامك. فأخذت السيدة الورقة وهي لا تقرأ ولا تكتب، ولا تعرف ما فيها.

قالت: ماذا في هذه الورقة أجابها الملك عبدالعزيز: خذي هذه الورقة واذهبي إلى القاضي. فذهبت إلى القاضي الذي كان في ما سبق يطردها في كل مرة، ويهددها بالعسكري. لكن هذه المرة جاءته وهي متسلحة بورقة فيها ختم عبدالعزيز. قالت السيدة للقاضي: جئت إليك بورقة من سيد سيدك، قالتها بلهجتها العفوية. فتح القاضي الورقة، وعندما رأى ختم الملك عبدالعزيز، وقف على رجليه، ووضع الورقة فوق رأسه. فقالت له بعفوية: الله أكبر عليك، خفت من عبدالعزيز، وماخفت من رب عبدالعزيز.

رد الدين عن والده:

جاء رجل ذات يوم إلى الملك عبدالعزيز بعد صلاة الفجر مباشرة مطالباً برد دين على والده عبد الرحمن الفيصل، قيمته مائة ريال فرنسي؛ وهو قطعة نقدية كبيرة الحجم يبلغ وزنها أوقية واحدة كانت تستخدم وقت ذاك عملة. ولما استفسر الملك عبدالعزيز من المدعي عما إذا كان لديه شهود على تلك الواقعة. أجابه المدعي أن شاهده هو الله سبحانه، فقال الملك عبدالعزيز والنعم بالله، لكنني لا أستطيع أن أفعل لك شيئاً ما لم يكن لديك ما يثبت حجتك. ومع هذا لم يغضب الملك عبدالعزيز من المدعي، ولم يزجره أو يوبخه أو يخيفه، أو يتجاهل مزاعمه؛ بل قرر اصطحابه إلى القاضي الشيخ سعد بن عتيق ليفصل بينهما، دون أن يصطحب معه حرساً أو أي شخص آخر ولا حتى من أبنائه،

وعندما دخل الملك على القاضي برفقة المدعي، سأل القاضي ابن عتيق الملك عبدالعزيز «أضيفاً جئت أم خصماً» فرد الملك عبدالعزيز بل خصماً، وهنا طلب القاضي ابن عتيق من الملك عبدالعزيز وخصمه أن يجلسا على الأرض، بينما جلس هو على عتبة الباب، ثم حكم بينهما، وانصرف الخصم راضياً بالحكم. فالتفت القاضي ابن عتيق للملك عبدالعزيز فقال أنت الآن ضيفي فأدخله المجلس وتناولا القهوة.

الآن.. تأكد لي عدلك يا عبدالعزيز

ً استوقف رجل الملك عبدالعزيز، بينما كان يسير

ذات يوم في مدينة الرياض. وبادره بالسؤال: أين عدلك يا عبدالعزيز . فسأله الملك عن مشكلته. فقال له الرجل إن سيارة أحد الأمراء دهمت إبله فنفقت بسببها ثلاث من الإبل. وفي الحال، طلب الملك عبدالعزيز إحضار الأمير الذي تقدم الرجل بالشكوى ضده للنظر في الأمر. وجلس الأمير مع صاحب الدعوى أمام الملك.. وكانت المرافعة. وبعد الاستماع للطرفين أصدر الملك أمره، فأمر الأمير بدفع ثمن الجمال الثلاثة التي نفقت للمدعي. وكان ثمن الجمل آنذاك ثلاثمائة ريال للجمل الواحد. غير أن المدعي طلب ألف ريال ثمناً، فقال الأمير لخصمه سأعوضك بثلاثة جمال بدلها، فقال الرجل إذا أعطيتني ثلاثة جمال عليَّ أن أروضها حتى تأنس إلي وآنس إليها، وعليه، اضطر الأمير لدفع المبلغ، ثم التفت الرجل إلى الملك فقال «الآن تأكد لي عدلك يا عبدالعزيز»

وختم المؤلف كتابه الذي اشتغل على قصص عدل الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بمقولات مأثورة تدل على حكمته وحرصه على العدل.