تنشط حركة طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في أجواء قطاع غزة على نحو ملفت ومقلق في آن واحد. وكلما ارتفعت وتيرة التصعيد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وزادت الانتهاكات في القدس والمسجد الأقصى، زادت معها حركة الطائرات التي ترصد كل شيء في القطاع المحاصر.
وبين الحين والآخر، تكسر طائرات حربية إسرائيلية حاجز الصوت في أجواء غزة، ما يعطي مؤشراً إلى أنّ شيئاً ما قد يحدث، أو أنّ هذا جزء من الرسائل الإسرائيلية التحذيرية لقوى المقاومة في غزة من الدخول في أي مواجهة موسعة تبدأ من الضفة والقدس.
وترتبط غزة بالضفة والقدس المحتلتين كثيراً، وإنّ باعدت الجغرافيا بين المنطقتين الفلسطينيتين، لكن ما يجمعهما في التصعيد أكثر مما يفرقهما في الانقسام الداخلي. ويخشى الاحتلال الإسرائيلي من ردود فعل الفصائل في غزة على التصعيد والاغتيالات والإعدامات الميدانية شبه اليومية في الضفة الغربية، إضافة لما يجري من انتهاكات وتسارع التهويد في الأقصى.
وتُرسل طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي تصدر صوتاً مزعجاً، وبمختلف أنواعها، رسائل “شؤم” للفلسطينيين، ومعها تزيد الاحتياطات الأمنية لدى قادة الفصائل، وخاصة قوى المقاومة، وسط مخاوف دائمة من أنّ تقوم هذه الطائرات بتنفيذ عمليات اغتيال “غادرة”.
ورغم أنّ الفصائل تحاول تجنب مواجهة جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنّ الأوضاع المتفجرة في الضفة والقدس والانتهاكات الإسرائيلية اليومية قد تدفع الأوضاع للتصعيد. وأعلنت الفصائل أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، أنها لن تسمح للاحتلال الإسرائيلي باستباحة الضفة والقدس.
وفي غزة، تراقب فصائل المقاومة الفلسطينية المشهد في مدينة القدس والمسجد الأقصى، في ظل تزايد الاقتحامات وإقامة الصلوات ونفخ الأبواق، وهي عوامل أدت في العام 2021 إلى إطلاق شرارة معركة “سيف القدس” التي استمرت 11 يوماً في القطاع.
وفي بياناتها اليومية لنعي الشهداء تحرص فصائل المقاومة وقواها على الحديث عن ضرورة تصعيد المواجهة في الضفة الغربية والقدس، لكنها على أرض الواقع تتأهب للرد في حال حدثت تطورات تكسر “الخطوط الحمراء” هناك.
وكان عضو المكتب السياسي لحركة حماس روحي مشتهى قد أكد، مساء السبت الماضي، أنّ التصعيد القادم في المسجد الأقصى “سيغير شكل المنطقة”، موجهاً تحذيراً للاحتلال الإسرائيلي في ظل عدوانه وتهويده المسجد وسماحه للمتطرفين الصهاينة بإقامة الطقوس فيه.
وجاء تحذير مشتهى في كلمة بمهرجان جماهيري حاشد وسط مدينة غزة، نظمته حركة “حماس”، بعنوان “الأقصى في خطر”، وحضره ممثلون عن الفصائل الفلسطينية والغرفة المشتركة لفصائل المقاومة.
ولفت مشتهى إلى أنّ “غزة احتشدت لتوصل رسالة واضحة وبسيطة، يجب أن يسمعها قادة العرب والمسلمين وقادة العالم، أن ممارسات الاحتلال في الأقصى خاصة، وفي القدس وفلسطين عامة، تنذر بانفجار الأقصى الكبير”.
ويقول الخبير في الشأن الإسرائيلي حاتم أبو زايدة، لـ”العربي الجديد”، إنّ هناك تقديرات عسكرية إسرائيلية تُقر بأن الضفة على وشك الانفجار أكثر، ولا سيما أنّ هناك تصعيداً تدريجياً من قوى المقاومة والخلايا المنفردة وارتقاء شهداء، وعشرات عمليات إطلاق النار على الاحتلال بشكل يومي.
والاحتلال، وفق أبو زايدة، يخشى من امتداد المواجهة إلى القطاع، و”هو يستعد لهذه الخطوة من خلال المراقبة، وتجديد بنك الأهداف، وتحديد الشخصيات من قادة المقاومة لاستهدافها إن أُتيحت له فرصة ذلك، خاصة في ظل تهديدات قوى المقاومة ومتابعتها لما يجري في الضفة والقدس”.
ويشير إلى أنّ “فترة الأعياد اليهودية، وتهديدات الصهيونية الدينية المتطرفة بنفخ الأبواق والصلاة الملحمية واقتحام الأقصى، بؤرة تفجر، خاصة في ظل عدم قدرة حكومة الاحتلال الحالية على لجم الانتهاكات، في ظل المناكفات في المعسكرات الإسرائيلية مع قرب الانتخابات”.
ويجزم أبو زايدة أنّ أي انفجار في الضفة والقدس المحتلتين “حتماً سيمتد إلى قطاع غزة”، مشيراً إلى أنّ كل الحيثيات والمعطيات تقول إن جيش الاحتلال يستعد لانفجار جبهة غزة، رغم عدم رغبة فصائل المقاومة في ذلك في الوقت الحالي، لكن الأحداث قد تتدحرج وقد تنتج ذلك عن أحداث غير متوقعة وليست في الحسبان.
ويعتقد المتحدث أنّ “الاحتلال الإسرائيلي لا يريد أن يقع في مفاجأة، في حال قررت الفصائل في غزة الدخول في المواجهة بعد تصعيد الأحداث في الضفة”، موضحاً أنّ “فصائل المقاومة لديها خطوط حمر، بغض النظر عن الاستعدادات والقدرات، وإذا اجتيزت هذه الخطوط، فإن المقاومة ستذهب للتصعيد والرد على ما يجري”.