قال الناطق باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، عدنان أبو حسنة، إنهم يبذلون جهودا غير مسبوقة، ويقومون بتحركات في اتجاهات مختلفة، من أجل التغلب على الأزمة المالية التي تواجه الوكالة الأممية، والتي أكد أنها تُشكّل “تهديدا وجوديا” لها.
وأوضح، في مقابلة خاصة مع “عربي21″، أنه “تم إحياء النقاش بصورة جذرية حول ضرورة وجود ميزانيات يمكن التنبؤ بها، وزيادة مساهمة الأمم المتحدة في ميزانية الأونروا الثابتة”، منوها إلى دعوة المنظمات الأممية المالية والدولية من أجل الشراكة مع “الأونروا” في إيجاد حلول لأزمتها.
وأضاف أبو حسنة: “كما نعمل على تنويع مصادر دخل الأونروا من خلال الاستفادة من القطاع الخاص سواء العربي أو الإسلامي أو التبرعات الفردية، وأيضا التوجّه إلى مؤسسات الزكاة”، متابعا: “هذا توجّه جديد وتاريخي، ويُعدّ انعطافة كبيرة في عمل الأونروا”.
وتوقع أبو حسنة أن يكون هناك تأييدا سياسيا كبيرا لتجديد التفويض الخاص بـ”الأونروا” لمدة 3 سنوات أخرى، خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، مستدركا: “لكن الإشكالية الآن هو أن يتم موازنة هذا التأييد السياسي بدعم مالي، كي يكون هناك توافقا بين الجانبين”.
وشدّد الناطق باسم “الأونروا” على أن عملهم “لن يتوقف على الإطلاق؛ فالأونروا ستظل باقية وستستمر في عملياتها وفي تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين وتطبيق التفويض الأممي الممنوح لها”.
وتأسست “الأونروا” بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية للاجئين والخدمات الأساسية، لاسيما التعليم والصحة، لأكثر من 5.5 ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس، الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لقضيتهم.
وتقول الوكالة، إنها تعاني من نقص بالتمويل وتطالب الدول المانحة بزيادة المساهمات والدعم، لتتمكن من تأمين الخدمات الأساسية للاجئين كالتعليم والصحة والغذاء.
إلى أي مدى تأثر عمل وكالة “الأونروا” بآثار أزمة الحرب الأوكرانية؟
كان للأزمة الأوكرانية تأثير على “الأونروا” كما تأثرت بقية المنظمات الإنسانية الأخرى في العالم، حيث عانينا من ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية، وكذلك أسعار النقل والتأمين. كل ذلك أثّر سلبا على “الأونروا”، خاصة أن المانحين الآن يتوجهون نحو أوكرانيا، وهؤلاء المانحين هم تقريبا نفس المانحين الذين يتبرعون للأونروا.
والمانحون أبلغونا مؤخرا بأن لا نتوقع منهم في نهاية العام الحالي إرسال تبرعات كما كان يحدث دائما في نهاية كل عام بسبب التركيز على الأزمة الأوكرانية.
هل هناك حملات تستهدف تقويض شرعية “الأونروا”؟ ولماذا؟
بالفعل، هناك هجمات سياسية مُنسّقة تقوم بها بعض اللوبيات، وهذه الهجمات والحملات المختلفة تستهدف نزع شرعية “الأونروا”، وبالتالي نزع شرعية اللاجئين الفلسطينيين.
ورغم أن تلك الهجمات مستمرة منذ زمن طويل، إلا أنها ازدادت خلال الفترة الأخيرة في اتجاهات مختلفة. كما يصاحب ذلك أيضا أزمة مالية كبيرة أصبحت تُسبّب لنا عجزا مُركبا كل عام، وهذا يُشكّل تهديدا حقيقيا لعمل وبرامج “الأونروا”. ونحن نؤكد أن استمرار هذه الأزمات بدون حل جذري سيؤدي بالتأكيد إلى تهديد وجودي، لأننا وصلنا إلى آخر إجراءات التقشف، كما قال المفوض العام لـ “الأونروا” السيد فيليب لازاريني.
مَن هي أكثر الجهات المانحة والداعمة لـ “الأونروا” في الوقت الراهن؟
الإدارة الأمريكية الحالية هي الداعم الأكبر الفردي لـ “الأونروا”؛ إذ وصل حجم تبرعاتها إلى حوالي 340 مليون دولار لهذا العام الجاري، وهذا مبلغ كبير جدا ويُشكّل ركنا أساسيا في دعم “الأونروا”، ثم يأتي الاتحاد الأوروبي كداعم رئيسي بعد الولايات المتحدة، وهناك أيضا العديد من الدول الأوروبية كألمانيا مثلا من أهم الدول الداعمة لـ “الأونروا”.
وماذا عن تقييمكم للدعم العربي الموجّه لـ “الأونروا”؟
للأسف الشديد الدعم العربي كان في عام 2018 حوالي 200 مليون دولار، ولكن هذا الدعم تراجع خلال العام الماضي ووصل إلى نحو 20 مليون دولار، أي أن الدعم العربي تراجع بنسبة 90%. كما أن الدعم العربي هذا العام ليس كما كان متوقعا؛ فقد وصل إلى أقل من 3% فقط من ميزانية “الأونروا” المنتظمة.
كيف تنظرون لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟ وما ردكم على الانتقادات التي توجّه لكم بشأن التعامل معهم وخاصة على صعيد “الحرمان من العلاج”؟
نعم، وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو وضع مأساوي لعدة أسباب على رأسها الأسباب المالية التي تتسبّب في عجز لـ “الأونروا”، وهناك أيضا أسباب خاصة بأن اللاجئين الفلسطينيين ممنوعين من العمل في عشرات من الوظائف داخل لبنان، ولكن “الأونروا” تبذل جهودا كبيرة في هذا الإطار لتوفير دعم أكبر للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وبلا شك أن وضع هؤلاء اللاجئين ربما يكون الوضع الأكثر تعقيدا من بين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق العمليات الخمسة (الأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة). وقطاع غزة على سبيل المثال تعرض لحروب متعددة وتدمير كبير وأزمات متتالية في نحن نقدم في غزة مساعدات غذائية فقط لحوالي مليون و140 ألف لاجئ فلسطيني. واللاجئون الفلسطينيون في غزة يُشكّلون حوالي 70% من السكان، و”الأونروا” بالنسبة لهم شريان حياة.
لكن الخدمات التي تقدمها “الأونروا” تتأثر في مُجمل المناطق التي نغطيها بميزانية “الأونروا”، وهي ميزانية ثابتة منذ 3 سنوات (حوالي 817 مليون دولار)، رغم أن أعداد واحتياجات اللاجئين الفلسطينيين تتزايد بشكل مطرد، وهذا يتطلب بناء العشرات من المدارس والعشرات من العيادات والوحدات السكنية، وأيضا زيادة الخدمات الاجتماعية على مستوى المساعدات النقدية أو المساعدات الغذائية.
ونشير هنا إلى أن عدد مَن نقدم لهم مساعدات غذائية ونقدية في سوريا وغزة على سبيل المثال بلغ حوالي مليون و600 ألف لاجئ فلسطيني، وهذا ما يفرض علينا أعباء وتحديات كبيرة.
هناك ادعاءات من بعض الجهات بأن “الأونروا” لم تقم بعمل إحصاء للاجئين الفلسطينيين منذ شباط/ فبراير 2018 وحتى عام 2019، ولكن هذا غير صحيح. وبإمكان أي مختص أن يذهب إلى موقع “الأونروا” وسيجد عليه تحديث لأعداد اللاجئين الفلسطينيين حتى الربع الرابع من عام 2021. لذلك نرجو من الجميع التحقق قبل نشر أي شيء حول هذه المواضيع الحساسة.
ما هي أصعب أزمة واجهت وكالة “الأونروا” طوال مسيرتها؟
“الأونروا” تواجه أزمات متعددة، ومنها أزمات مالية متعاقبة منذ إنشائها وحتى الآن؛ فلم يكن يوما حجم ميزانيات “الأونروا” يوازي حجم الاحتياج، ولكن الأزمة الأخطر كانت عندما قطع الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في آب/ أغسطس 2018، دعم بلاده للوكالة، والذي يبلغ نحو 360 مليون دولار سنويا، وهذا المساعدات الأمريكية كانت تُشكّل 30% تقريبا من ميزانية “الأونروا”. لقد كانت أزمة كبيرة بالفعل، وكانت تُهدّد حقا برامج وعمليات “الأونروا”.
من وجهة نظركم، كيف يمكن إنهاء الأزمة الراهنة؟
هناك جهود كبيرة يبذلها المفوض العام لوكالة “الأونروا”، فيليب لازاريني، وفريقه أيضا، من أجل التغلب على الأزمة المالية للوكالة الأممية. فخلال الاجتماع الوزاري الذي عُقد قبل أسبوع تقريبا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تم إحياء النقاش بصورة جذرية حول ضرورة وجود ميزانيات يمكن التنبؤ بها وزيادة مساهمة الأمم المتحدة في ميزانية “الأونروا” الثابتة، وأيضا دعوة المنظمات الأممية المالية والدولية من أجل الشراكة مع “الأونروا” في إيجاد حلول لأزمتها، وكذلك الشراكة مع المنظمات الأممية الأخرى من أجل دعم “الأونروا”، وهذا توجّه جديد وتاريخي، ويُعدّ انعطافة كبيرة في عمل “الأونروا” من أجل زيادة مساهمة الأمم المتحدة في دعم ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عبر تعهدات متعددة السنوات.
بالإضافة إلى ذلك، نعمل على تنويع مصادر دخل “الأونروا” من خلال الاستفادة من القطاع الخاص سواء العربي أو الإسلامي أو التبرعات الفردية، وأيضا التوجّه إلى مؤسسات الزكاة، والذي سبقتنا في تلك الخطوة منظمة اليونيسيف والمفوضية العليا للاجئين، ولكن نحن نتحرك باتجاهات مختلفة من أجل التغلب على هذه الأزمة الراهنة.
وبالتالي فهناك جهود غير مسبوقة وتحركات باتجاهات مختلفة من أجل التغلب على الأزمات المالية، ونحن ندرك أن التحديات ستظل موجودة وباقية وإن كانت بدرجات مختلفة.
كيف ترى مستقبل “الأونروا”؟ وهل من الوارد أن يتوقف عملها حال استمرار وتفاقم الأزمات التي تواجهها؟
سيتم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم تجديد التفويض الخاص بـ”الأونروا” لمدة 3 سنوات أخرى. ونحن نتوقع أن يكون هناك تأييدا سياسيا كبيرا لهذا التجديد، ولكن الإشكالية الآن هو أن يتم موازنة هذا التأييد السياسي بدعم مالي. يجب أن يكون هناك توافقا بين الجانبين. ونحن نعمل في هذا الاتجاه، إلا أننا نتوقع استمرار الأزمات واستمرار العجز المالي أيضا في ظل وجود أزمات أخرى مثل الأزمة الأوكرانية وغيرها من الأزمات.
ولكن في الوقت نفسه لا نتوقع أن يتوقف عمل “الأونروا” على الإطلاق. “الأونروا” ستظل باقية وستستمر في عملياتها وفي تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين وتطبيق التفويض الأممي الممنوح لها.