| في يوم البريد العالمي.. حكاية جوابات عامل السد «حراجي القط» لـ«فاطنة»

بين الأعمال الإنشائية للسد العالي، يجلس الفلاح البسيطة «حراجي القط» فوق صخرة ملساء، تفصل بيه وبين زوجته «فاطنة» أكثر من 655 كيلومترًا، يواجه أشعة الشمس المتبقية من نهار طويل وحيدًا، ومنذ الخامسة فجرًا، يمسك بقلمه البوص، بعد أن يضعه في الدواية على أرض رملية بجانبه، وبخط غجري يكتب «الجوهرة المصونة والدرة المكنونة، زوجتنا فاطنة أحمد عبدالغفار، يوصل ويسلم ليها في منزلنا الكاين في جبلاية الفار».

اليوم العالمي للبريد

وفي اليوم الذي يحتفي به العالم بـ اليوم العالمي للبريد، والذي يوافق التاسع من أكتوبر من كل عام، وبعد أن خطفت التكنولوجيا الحديثة الأنظار من الخطابات بشكلها التقليدي، إلا أنّنا دائمًا ما نتذكر الحبكة المعقدة التي استطاع الخال عبد الرحمن الأبنودي تجسيدها في 15 رسالة متبادلة بين «حراجي القط» العامل في السد العالي، وزوجته المرأة الريفية البسيطة، وظهرت للنور للمرة الأولى عام 1969، تروي قصة بناء السد، وتعيد الحق للعمال الذين أهملت ذكراهم في كل الملحمات التي ذكرت السد العالي.

كان «حراجي» الذي اشتقه «الأبنودي» في الجوابات شخصية حقيقية يلعب مع الخال في قريته منذ الصغر، بحسب ما قال في أحد اللقاءات الصحفية القديمة، وأيضًا لم ير السد العالي طوال حياته، حتى قرر عبدالرحمن الأبنودي أن يصف على لسانه الكثير من الملامح عن حياة الريف المصري في أوجهها المختلفة.

«حراجي القط» شخصية حقيقية

وفي حديثه عن شخصية حراجي القط، يقول «الأبنودي» في حديث سابق مع الإعلامية منى الشاذلي في برنامج العاشرة مساءً، إنّ أهالي السودان كانوا يحبونه لأنّه شاعر «حراجي القط» وأحيانًا ما كانو يعتبرونه هو الشخصية نفسها: «كانو بيقدموني ويقولوا عليا الشاعر السوداني الذي ضل طريقه إلى القاهرة».

ويحكي أنّ هذه الجوابات كانت نتيجة أنّ «حراجي» كان لأول مرة في حياته يستقل القطار، فـ لجأ إلى هذه الجوابات التي بدأها بـ: «الجوهرة المصونة والدرة المكنونة، زوجتنا فاطنة أحمد عبدالغفار، يوصل ويسلم ليها في منزلنا الكاين في جبلاية الفار»، ثم أضاف «سامحيني يا فاطنة في طول الغيبة عليكي.. وأنا خجلان .. خجلان .. وأقولك يا زوجتنا أنا خجلان منكم من هنا للصبح.. شهرين دلوقت من يوم ما عنيكِ يا فاطنة بلت شباك القطر لسوعتي بدمعك ضهر يَدي».

وبعد عدة خطابات يتحدثون فيهم عن أحوالهم ويحكي «حراجي» ما يشاهده في البلد الغريبة عنه أسوان، تبعث فاطمة جوابًا لزوجها تصف فيه مشاعر الفقد تقول: «في الليل يا حراجي تهف عليا ما عرف كيف.. هففان القهوة على صاحب الكيف.. وبامد إيديا في الضلمة ألقاك جنبي طب والنبي صُح ومش باكدب يا حراجي».

جوابات حراجي القط كانت محملة بمشاعر الحب والشوق وغربة والافتقاد والحزن والقسوة والتعود وغلبة الأمر، عشرات المشاعر التي سطّرها الأبنودي في رسائله، وغلفها الحب واللهفة والاعتيادية والتسليم بالأمور بين الفلاح الذي يعمل في السد العالي، وزوجته المرأة الريفية البسيطة التي غلبها شوقها لزوجها، وأجادت التعبير عن مشاعرها رغم أنها لم تتعلم يومًا القراءة والكتابة.