رحلت أمس الإثنين، في لندن، الفنانة التشكيلية الفلسطينية ليلى الشوّا (1940 – 2022) التي عبّرت خلال تجربتها، الممتدّة لأكثر من خمسين عاماً، عن رؤية مغايرة في مقاربتها للحدث السياسي والواقع الفلسطيني وفي توظيفها للتراث أيضاً.
قدّمت الراحلة في معظم أعمالها تساؤلات حرجة بمنظور نقدي وساخر وعبثي أحياناً، خاصّة منذ أواخر الثمانينيات حين فكّكت منظومة القمع التي تتعرَّض إليه المرأة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، وتسلّط النظام الأبوي، وسعيها للتمردّ على واقعها ومقاومته.
في عملها “الرصاص المصبوب” (2011)، تقتطع الشوّا وجه امرأة التقطته كاميرات المراقية الأمنية وهي تصرخ وتبكي لحظة القبض عليها في محاولة للتسلّل عبر حاجز “إيريز”، حيث ركّبت وجه المرأة المنتحبة على خلفية فوضى من الدمى المنصهرة والركام في إحالة إلى أجساد الأطفال الذين استشهدوا خلال العدوان الإسرائيلي على غزّة في السنة التي نفّذت خلالها العمل.
منذ معرضها الأول الذي أقامته في بيروت عام 1970، اشتبكت الفنانة مع الحدث على الأرض، لكنها اجتهدت بعد سنوات عدّة في ابتكار أسلوب خاص تكثّف من خلاله أفكارها تجاه الأحداث مستخدمة وسائط تعتمد الفنّ الشعبي (pop art) بما يتضمّنه من زخرفية وتكرارات تقترب من المألوف والمتداول في الحياة، لكنّها تتعامل معها وفق منظور مختلف.
تنوّعت الوسائط التي استعملتها الشوّا بين الرسم والكولاج والغرافيتي والأعمال التركيبية، لكنْ تبقى أعمالها التي نفّذتها بتقنية طباعة الشاشة الحريرية الأكثر شهرة، وتناولت فيها قضايا وأحداث سياسية واجتماعية مثل “الصفقة”، و”رسالة وأم”، و”بوّابات داخل بوّابات”، و”الديّة”، و”الرعاة”، و”هي الكوكا كولا”، و”ممرّات الحرية”، و”نحو التحرير” وجميعها تمّ عرضها عام 1994.
بدأت ليلى الشوّا ــ المولودة في غزّة ــ ممارسة الرسم في السادسة من عمرها، وعندما التحقت بالجامعة، قررت دراسة العلوم السياسية، لكنها توّجهت بعد ذلك لدراسة الفنون بناء على نصيحة صديق لوالدها، حيث تخرّجت من “المعهد العالي للفنون الجميلة/ ليوناردو دافينشي” في القاهرة عام 1958، ثم انتقلت إلى روما والتحقت بـ”أكاديمية الفنون الجميلة”.
عادت بعد ذلك إلى مدينتها، وقدّمت دروساً في الفنون والحرف اليدوية في العديد من مخيمات اللاجئين، كما درّست الفن ضمن برنامج تعليمي لليونسكو، لتنتقل إلى بيروت عام 1967 من أجل التفرّغ للرسم، لكنّها اضطرت للعودة إلى غزّة بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، وساهمت في تأسيس”مركز رشاد الشوّا الثقافي” الذي يحمل اسم والدها؛ رئيس بلدية غزة، قبل أن تتتقل للإقامة في لندن عام 1987.
(من سلسلة “جدران غزة” لـ ليلى الشوا)
(عمل “السجين” لـ ليلى الشوا)