دقت عقارب الساعة السابعة صباحا ليستقيظ «محمود»، ويبدأ في ارتداء بنطال جينز أزرق اللون، تيشرت أحمر في أبيض، ثم يذهب مع والده نحو أرضهم الزراعية الصغيرة في سوهاج.
وكعادته يبدأ في مساعدة والده على الحرث والعناية بالأرض التي هي رأس مالهم، عند نحو الساعة الحادية عشرة يذهب والده إلى المنزل ليرتاح قليلا، فيما يظل الفتى الصغير يلهو مع الحمار الخاص بهم، ولكن طال وقت الغياب وعند نزول والده إليه لم يجده، وبدأت رحلة معاناة وألم لا تنتهي.
محمود محمد عبدالموجود فواز، فتى صغير يبلغ من العمر 14 عاما في الصف الثاني الإعدادي، يسكن في قرية المجابرة غرب مركز جرجة بمحافظة سوهاج، في صباح يوم الثلاثاء الموافق 15 يونيو الماضي، لم يكن يدري الأب أن ابنه سيصبح من المتغبين، شعور قاتل بالحزن والمرارة ينتشر ببطيء داخل قلب أهل الولد الغائب، فلم يتركوا بابا أو محلا أو حتى طفلا صغيرا إلا وسألوه عنه دون جدوى، وتعيش الأسرة الملكومة على أمل أن يعود الغائب قريبا، وألا يطول العذاب أكثر من ذلك وأن يكون بخير.
يروي «محمد عبدالموجود» والد «محمود» لـ«»، أن ابنه هو الوحيد على 4 بنات، في حوالي الساعة صباحا، ذهب معه كعادته إلى الأرض الزراعية «كنا جايين من الزرع حوالي الساعة 11 أو 12 كده، وهو ساب الحمارة وفضل تحت يلعب شوية، هو متعود يلعب مع أصحابه ويفضل تحت البيت مع العيال، ويومها نزلت بعد الضهر بساعة علشان أندهه لقيته مش موجود وقلبت عليه الدنيا لكنه اختفى».
بمرارة وألم يسترجع «محمد» تفاصيل اليوم المؤلم الذي لن يمحى من ذاكرته أبدا؛ إذ بدأ رحلة مضنية من البحث: «سألنا كل أصحابه والبلد اللي حوالينا وأقاريبنا وملقناهوش، وعملت محضر في قسم شركة مركز جرجا بتغيبه برقم 1815، وسألت أخواته البنات يمكن قالهم حاجة وبرضو مفيش فايدة».
يرجح الأب أن ابنه سافر مع أحد أصدقائه الأكبر منه في العمر، خاصة أنه كان مهووسا بالسفر إلى بورسعيد والبحيرة، مثلما اعتاد السماع من أصدقائه الذين يعملون بتلك المدن في زرع الليمون: «العيال كانوا يقعدوا يحكوله عن تجاربهم في السفر واللي كان بيرجع معاه تليفون واللي معاه لبس جديد ومحمود كان غيران منهم واحتمال كبير يكون راح مع حد منهم لأنه صغير ومطلعش قبل كده بره البلد مركبش قطر أو راح بعيد»، متابعا بحسرة وألم: «ارجع يا محمود قلبي واجعني عليك».