خيمة مصلوبة ببعض الأعواد الخشبية، تعيش بها أسر قررت الترحال، تنام فى الخلاء وسط الأراضى الزراعية، تطهو طعامها على نيران الحطب، تسهر على ضوء القمر، وتستيقظ مع نسمات الصباح الأولى، لا تعرف شيئاً عن جدران البيوت، ولم تنعم بالتليفزيون والثلاجة والبوتاجاز، هكذا تكون حياة العرب الرحالة، الذين يحملون أمتعتهم فوق ظهورهم، بحثاً عن غذاء للأغنام والمواشى، ثروتهم الوحيدة.
الحياة البسيطة التى قد تبدو للبعض شاقة، أحبوها بكل تفاصيلها ولم يتخيلوا أنفسهم فى مكان آخر بعيد عن جدران الخيمة والهواء الطلق، بحسب سلم سليمان، 30 عاماً، أحد الرحالة بمركز الحامول بمحافظة كفر الشيخ، مؤكداً أنهم يعيشون فى الغيطان منذ عشرات السنين، إذ ولد ووجد نفسه داخل الخيمة يتدرب على رعاية الغنم، ويلعب وسط الحقول المجاورة: «لو حد خيرنى بين حياتى والاستقرار فى بيت، هاختار الترحال طبعاً».
يحكى «سليمان» أن الرجال يستيقظون باكراً لرعى المواشى، بينما تهتم النساء بتنظيف الخيام، وإعداد الطعام على «الموقد» الذى يتم إشعاله بالأخشاب، وغسل الملابس بأيديهن وتركها تنشف فوق الخيام: «إحنا بنتوراث العيشة دى جيل بعد جيل، وحياتنا عبارة عن أغنام ومواشى بنرعاها، وبنتنقل بين الغيطان بحثاً عن غذائها».
بداية موعد عمل «سليمان»
من الـ7 صباحاً حتى الـ4 عصراً، يمارس «سليمان» وغيره من الرحالة مهام عملهم: «ده أكل عيشنا ومفيش إجازة»، لافتاً إلى أنه ينتمى لقبيلة عرب الدواغرة، وجميع أفرادها يعيشون فى خيام عدا المتعلم منهم، فبعد أن يصل للمرحلة الجامعية ينتقل من الخيمة لمنزل، لبدء فصل جديد من حياته: «اللى بيوصل منصب مابيجيش هنا تانى وبينقل فى بيت».
لم يحظَ «سليمان» بفرصة تعليم، لكنه ينوى أن يُعلم صغاره: «عندى بنت وولد لسه صغار، نفسى أعلمهم وأدخلهم مدارس»، مشيراً إلى أنه يعشق حياة الترحال لما فيها من بحث وتأمل، والتنقل من مكان لآخر جعله يرى الحياة بعين مختلفة ويركز فى تفاصيل الكون وجمال الطبيعة: «ربنا محلى لكل واحد عيشته، وأنا كل أسبوع فى حتة، وباروح المكان اللى يعجبنى».
تكاليف الزواج عند الرحالة
تكاليف الزواج عند الرحالة مختلفة عن باقى سكان البيوت، فيدفع لأهل العروس مهراً يتراوح بين 100 و200 ألف جنيه، وتشترى العروس ذهباً لنفسها، بينما يجهز خيمته بتكلفة لا تزيد على ألفى جنيه، ويشترى بعض الأدوات البسيطة التى يحتاجانها فى حياتهما الجديدة: «شوية ملابس ومرتبة ولحاف وبطانية وطقم حلل وبس، والخيمة بتكون مساحتها 7X3 متر، وده عشان نعرف ننقل بسهولة من مكان لمكان».
لم يشاهد «سليمان» التليفزيون فى حياته سوى فى المقهى الذى يذهب للجلوس عليه لبعض الوقت، ومؤخراً أصبح له أصدقاء يسكنون المنازل، ويتردد عليهم: «باروح أتفرج على ماتشات الكورة والأفلام، لكن مش كتير، لأننا بنام بدرى وبنصحى بدرى، ولو سهرنا بنسهر على ضوء القمر».