شنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، هجوما حادا على ندوة ثقافية ينظمها المعهد الثقافي الرسمي الألماني في تل أبيب (معهد غوته)، حول الحيّز الذي تشكله الذاكرة في الصراعات السياسية، معتبرة أنه “يقارن بين الهولوكست والنكبة”، فيما طالبت منظمة “حقوقية” يهودية، رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لبيد، بالعمل على إلغاء الندوة، بزعم أنها تشكل “إهانة فظيعة لذكرى المحرقة”.
وقرر معهد “غوته” الثقافي الألماني في تل أبيب، تأجيل الفعالية التي كان يعتزم إقامتها يوم غد، الأربعاء، إثر الانتقادات الحادة التي وجهتها الخارجية الإسرائيلية، والتي اعتبرت فيها أن مقارنة الهولوكوست بالنكبة، تمثل “إهانة صارخة” وتهدف إلى “تشويه سمعة إسرائيل”.
ويدور الحديث حول ندوة كان من المقرر أن ينظمها المعهد الثقافي الرسمي الألماني “غوته”، بالشراكة مع مؤسسة روزا لوكسمبورغ في إسرائيل، يوم غد، الأربعاء، تحت عنوان “استيعاب ألم الآخرين… المحرقة، النكبة وثقافة الذاكرة الألمانية”، في الذكرى السنوية لما يعرف بـ”ليلة البلور” التي تعرض فيها يهود ألمانيا لاعتداءات النازيين نهاية ثلاثينيات القرن الماضي.
وجاء في الدعوة التي نشرها معهد “غوته” للمشاركة في الندوة أنه “بعد مرور 75 سنة على إعلان إقامة دولة إسرائيل، ما يزال موضوع الذاكرة يشكل حيزًا للصراعات السياسية فيها. ففي حين يركز الناجون من المحرقة وسلالتهم على إبادة يهود أوروبا على يد النازيين، يركز الفلسطينيون على سنة 1948 – السنة المصيرية المعروفة بسنة النكبة – عندما كان اقتلاع (الفلسطينيين من بلادهم، في إشارة إلى جرائم التطهير العرقي – المحرر) والفرار من المقاتلين اليهود مصير مئات الآلاف من الفلسطينيين”.
من جانها، قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية، في بيان، إنها تعبر عن “صدمتها واشمئزازها من الازدراء الفاضح للمحرقة ونية التحريف التي تدعو للسخرية لإنشار روابط هدفها تشويه سمعة إسرائيل”، وأضافت “ندعو جميع الأطراف المعنية إلى إلغاء هذا الحدث المشين”.
بدوره، قال ممثل إسرائيل الأسبق لدى الأمم المتحدة، رون بروشور، إنه “في يوم إحياء ذكرى المذابح التي وقعت في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1938، قرر معهد غوته ومؤسسة روزا لوكسمبورغ التقليل من أهمية ذكرى المحرقة. ومن بين جميع الأماكن، تقرر فعل ذلك على وجه التحديد في إسرائيل. هذا غير مقبول وغير محترم”.
كما شن مركز “سيمون فيزنتال” الذي يقدم نفسه على أنه منظمة يهودية لحقوق الإنسان، هجوما حادا على الندوة الثقافية التي ينظمها المركز الثقافي الألماني، وطالب المركز لبيد بالعمل على إلغائها، واعتبر أن “من المخزي أن يتحدث أي ألماني عن الهولوكوست والنكبة في نفس السياق”.
وقال إنه “لا حرج في استكشاف مشاعر الفلسطينيين، لكن ربط الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال بـ‘الحل النهائي‘ لألمانيا النازية، التي قتلت ستة ملايين يهودي بريء، من بينهم 1.5 مليون طفل يهودي، هو إهانة فظيعة لذكرى المحرقة، ولدولة إسرائيل، وللناجين من المحرقة وللحقائق التاريخية”.
وتناقش الندوة كتابا للصحافية والباحثة الألمانية، شارلوت فيدمان، بعنوان “استيعاب ألم الآخرين”، الذي تدعو فيه إلى “اتباع ذاكرة جديدة متعاطفة تعدل بين الأطراف المختلفة، وتناشد بالتضامن بين الضحايا بدلا عن المنافسة في ما بينهم”، وتناقش فيه “ممارسة الذاكرة في ألمانيا”، وترى أنه “يجب تطوير وعي للجرائم الكولونيالية خلال الفترة الإمبريالية”، وتعتقد أن ذلك “لا يدعو للتشكيك في خصوصية المحرقة”، بحسب ما أورد معهد “غوته”.
ويشارك في الندوة التي تنظم يوم غد، الأربعاء، في مقر المعهد الثقافي الألماني في تل أبيب، كل من فيدمان والمحاضر في النظرية السياسية في الجامعة المفتوحة في إسرائيل، بشير بشير؛ والمحاضر في التاريخ اليهودي واليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية في القدس، عاموس غولدبيرغ؛ والصحافية إينغا غونتر التي عملت مراسلة لوسائل إعلام مختلفة في إسرائيل وفلسطين.
وفي أعقاب الهجوم الإسرائيلي على الندوة، قرر معهد “غوته” تأجيلها إلى يوم الأحد 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، في ظل “الانزعاج” الذي تسبب به موعد “حلقة النقاش”، في إشارة إلى تزامنها مع ذكرى “ليلة البلور” ضمن أحداث المحرقة، وقال المعهد إن “إحياء ذكرى محرقة اليهود وإحياء ذكرى الضحايا هو الشغل الشاغل لمعهد جوته ، الذي نكرس له العديد من المشاريع”.
وأفاد المعهد بأنه “بعد التشاور مع المتحدثين (في الفعالية) تقرر تأجيل الأمسية إلى الأحد 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022”.
وأضاف أنه “يعبر معهد غوته عن التفاهم والحوار. هذا هو موضوع المناقشة المخطط لها. المتحدثان من إسرائيل هما خبراء معترف بهما في مجال ثقافة الذاكرة وسياسة المصالحة. جنبًا إلى جنب مع مؤسسة روزا لوكسمبورغ، قمنا بدعوتهما لتسليط الضوء على هذا الموضوع بمناسبة صدور كتاب للصحفية شارلوت فيدمان”.