تحولت (إف تي إكس) FTX من كونها ثالث أكبر بورصة للعملات المشفرة في العالم إلى الإفلاس في غضون أسبوع واحد فقط، الأمر الذي هز سوق العملات الرقمية المشفرة بالكامل، وصدم المستثمرين، وترك الأشخاص المتداولين عبر البورصة أمام مسار طويل وشاق في محاولة لاستعادة أموالهم.
وقد انخفضت اليوم أسعار العملات الرقمية مرة أخرى مع تفاقم أزمة إفلاس بورصة FTX خلال الأيام الماضية، حيث انخفضت عملة البيتكوين – أكبر عملة مشفرة في العالم – بنحو 65% هذا العام، وتُداول اليوم الاثنين عند سعر 16500 تقريبًا وفقًا لبيانات موقع CoinDesk، كما يعتقد المحللون أنها قد تنخفض إلى أقل من 10000 دولار خلال الأيام القادمة.
وفي الوقت نفسه؛ فإن وضع (إيثريوم) Ethereum – ثاني أكثر العملات المشفرة قيمة في العالم – ليس أفضل بكثير، حيث أظهرت بيانات CoinDesk أنها تتداول اليوم عند سعر 1231.53 دولارًا اليوم، بعد أن انخفضت بنسبة تزيد عن 20% خلال الأسبوع الماضي.
يأتي هذا الانخفاض في الوقت الذي يواصل فيه المستثمرون صراعهم مع الانهيار غير المسبوق لمجموعة FTX، حيث قال بعض المحللين في الصناعة: “إن انهيار الشركة تسبب في “لحظة بنك ليمان براذرز”، في إشارة إلى انهيار البنك عام 2008 الذي تسبب في حدوث أزمة مالية عالمية”.
فماذا حدث وكيف انهارت بورصة FTX بهذه الطريقة؟
قالت المجموعة المالكة لبورصة العملات المشفرة (FTX) إنها بدأت إجراءات الحماية من الدائنين وفقًا لقانون الإفلاس الأمريكي يوم الجمعة الماضي، كما استقال (سام بانكمان-فريد) مؤسسها من رئاسة الشركة، ليشهد سوق العملات المشفرة ضربة قوية لم يشهدها من قبل.
حيث قالت الشركة في منشور عبر حسابها في تويتر يوم الجمعة: “إن كل من (West Realm Shires Services)، و (Alameda Research)، ونحو 130 شركة تابعة – تشكل كلها (مجموعة إف تي إكس) FTX Group – تقدمت طوعًا بإجراءات الحماية من الدائنين تحت الفصل 11 من قانون الإفلاس الأمريكي في منطقة ديلاوير، وذلك لبدء تقييم وتسييل أصول المجموعة لمنفعة أصحاب المصلحة العالميين”.
Press Release pic.twitter.com/rgxq3QSBqm
— FTX (@FTX_Official) November 11, 2022
جاء الانهيار المفاجئ والسريع لبورصة FTX بعد يوم واحد فقط من قرار منافستها (بينانس) Binance – أكبر بورصة للعملات المشفرة – المفاجئ بالتراجع عن صفقة استحواذها على (إف تي إكس) التي تواجه أزمة سيولة.
وقد تراجعت (بينانس) عن الصفقة غير الملزمة بعد إلقاء نظرة على سجلات بورصة FTX، وعند هذه النقطة أصبح من الواضح أن مشاكل FTX كانت أكبر من أن تُحل بصفقة استحواذ.
يُذكر أن (سام بانكمان-فريد) الرئيس التنفيذي لبورصة FTX حذر المستثمرين الأسبوع الماضي من أنه بدون ضخ سيولة مالية بقيمة 8 مليارات دولار نقدًا، قد لا يكون أمام الشركة خيار سوى التقدم بطلب للإفلاس، ولم يوضح السبب الكامن وراء هذا العجز.
ما هي بورصة FTX؟
FTX هي بورصة عملات مشفرة، مما يعني أنها تمكن المستهلكين من شراء العملات الرقمية وبيعها وتخزينها مثل البيتكوين والإيثريوم، بالإضافة إلى الأصول الرقمية الأخرى مثل: NFTs.
أسس هذه الشركة (سام بانكمان-فريد) Sam Bankman-Fried في عام 2019، واعتبارًا من فبراير 2022 كان لديها أكثر من مليون مستخدم.
وقد عالجت كل من FTX و Binance الغالبية العظمى من تداولات العملات المشفرة في جميع أنحاء العالم قبل بدء إجرات إفلاس FTX يوم الجمعة الماضي، وفقًا لشركة (CoinMarketCap) التي تتبع بيانات سوق العملات المشفرة.
قام (سام بانكمان-فريد) – رجل الأعمال البالغ من العمر 30 عامًا – ببناء إمبراطورية FTX التي وصلت قيمتها إلى 32 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية، وقد شغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة FTX حتى يوم الجمعة الماضي.
بدت بورصة (إف تي إكس) أنها وحدة من بين أفضل الوسطاء تشغيلاً في سوق العملات المشفرة، حيث قدم بانكمان-فريد نفسه كمنقذ لشركات العملات المشفرة التي تعثرت هذا العام مع انهيار عملة لونا المشفرة، واشترى الشركات المنافسة، وضم عملاءها إلى بورصته.
متى بدأ الانهيار؟
على الرغم من النجاحات الظاهرة، كانت هناك الكثير من المشاكل التي بدأت بالظهور مع استقالة (سام ترابوكو) الرئيس التنفيذي لشركة ألاميدا التابعة لمجموعة FTX فجأة، وبعد ذلك بشهر واحد استقال (بريت هاريسون) من منصبه كرئيس لشركة (إف تي إكس يو إس).
1/ An announcement: I’m stepping down as President of @FTX_Official. Over the next few months I’ll be transferring my responsibilities and moving into an advisory role at the company.
— Brett Harrison (@BrettHarrison88) September 27, 2022
وقد حدثت هذه الاستقالات قبل الكشف عن أن مجموعة (FTX) تواجه بعض المشاكل القانونية في شكل تحقيق منظم للأرواق المالية، ثم جاءت صفقة استحواذ بيناس على المجموعة لتكشف مشاكل أخرى في الحسابات، وإدارة أصول العملاء.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال يوم الخميس الماضي أن انهيار (FTX) سبقه قرار إقراض أصول العملاء بمليارات الدولارات لتمويل رهانات محفوفة بالمخاطر لشركة ألاميدا – صندوق التحوط المشفر التابع لشركة FTX – وقد دفعت كل هذه الأخبار بإجراء تحقيقات موسعة حول ممارسات البورصة.
حيث أفادت صحيفة وول ستريت جورنال أن وزارة العدل ولجنة الأوراق المالية والبورصات تحققان في انهيار FTX. ورفضت وزارة العدل التعليق، وقالت لجنة الأوراق المالية والبورصات إنها لا تعلق على وجود تحقيقات أو لا.
يعد بانكمان-فريد من كبار المدافعين عن صناعة العملات المشفرة، كما أنه من أكبر الداعمين للحزب الديمقراطي الحاكم حاليًا في الولايات المتحدة، حيث تبرع للانتخابات النصفية الأمريكية بنحو 50 مليون دولار، ولكن الانهيار الداخلي لبورصة FTX أثار تدقيقًا من إدارة الرئيس الأمريكي بايدن وكبار المشرعين الديمقراطيين الذين انتقدوا FTX ودعوا إلى مزيد من الرقابة على صناعة التشفير.
لقد تلاشت ثروة بكمان-فريد التي كانت تقدر بنحو 15.6 مليار دولار اعتبارًا من يوم الاثنين الماضي، وفقًا لمؤشر (Bloomberg Billionaires) مما جعله واحدًا من أغنى 100 شخص في العالم. ولكن يوم الجمعة قدر مؤشر بلومبرج صافي ثروته بنحو صفر.
اختراق محتمل:
تطورت الأمور خلال الأيام الماضية، حيث بدأت حكومة جزر البهاما تحقيق حول ما قامت به مجموعة (FTX) حتى وصلت إلى الانهيار هكذا، مما كشف عن حقائق جديدة.
نقل بانكمان-فريد مقر FTX الرئيسي من هونج كونج إلى جزر البهاما العام الماضي، حيث أشاد بأنها “واحدة من الأماكن القليلة لإنشاء إطار عمل شامل للعملات المشفرة” في ذلك الوقت. ويوم أمس قالت السلطات في جزر البهاما إنها تحقق مع فريق من المحققين الماليين من فرع التحقيق في الجرائم المالية في وجود سلوك إجرامي محتمل يحيط بانهيار FTX.
كما أفادت مصادر متعددة منها: (رين ميلر) المستشار العام لمجموعة FTX ، وتقارير من صحيفة وول ستريت جورنال أن هناك ما لا يقل عن 477 مليون دولار مسروقة من FTX بعد ساعات من تقديم طلب الإفلاس، حيث يُزعم أنها تركت عمليات النقل الكبيرة تمر دون أن يلاحظها أحد، مما أثر أكثر في الخسائر التي تكبدها المستثمرون.
مع زيادة التدقيق مع الشركات الكبرى في سوق العملات المشفرة، أثار حادث كبير آخر قلق المستثمرين، حيث اعترفت شركة (Crypto.com) ومقرها سنغافورة بإرسال أكثر من 400 مليون دولار من الإيثريوم ethereum عن طريق الخطأ إلى الحساب الخطأ.
قال (كريس مارساليك)الرئيس التنفيذي للشركة أمس عبر تويتر أمس: “إن تحويل 320،000 ETH تم قبل ثلاثة أسابيع إلى حساب شركة في (exchange Gate.io) المنافسة بدلاً من أحد محافظها غير المتصلة بالإنترنت”. وعلى الرغم من استرداد الأموال، فإن المستخدمين ينسحبون من المنصة خوفًا من النتيجة نفسها التي شهدتها FTX.
هذا وقد أعلنت لجنة الأوراق المالية والبورصة في قبرص أنها أوقفت ترخيص (إف تي إكس) الذي يسمح لها بالعمل في أوروبا بسبب شكوك تتعلق بمخالفتها عدة قوانين، وذكرت أن الشركة لا يبدو أنها تلتزم في جميع الأوقات بشروط الترخيص.
وقد شملت الانتهاكات المزعومة الأخرى قوانين تتعلق باستدامة أعضاء الإدارة، وبحفاظ “إف تي إكس” على الأصول المملوكة للعملاء.
الجدير بالذكر أن طلب الإفلاس الذي تقدمت به شركة FTX سيسمح لها بمواصلة العمل أثناء تطوير خطة لسداد ديونها، ولكن ليس واضحًا ماذا سيحدث مع بانكمان-فريد الذي عين محامي للدفاع عنه، ولكن لا زالت التحقيقات مستمرة.
ولكن الواضح حتى الآن، أن إفلاس FTX يسلط الضوء على التحديات الهيكلية للعملات المشفرة فيما يتعلق بالشفافية وسوء إدارة المخاطر التي أدت مرارًا وتكرارًا إلى خسائر للمستثمرين، وبدلاً من إحداث ثورة في عالم التمويل، تكرر بورصات العملات المشفرة إلى حد كبير الأخطاء ذاتها.