نصف قرن من الزمان أو يزيد، وما زالت فيروز تصلي بالكلمات وبالنغم العبقري في محرابها وسط أشجار الأرز والطبيعية الخلابة التي تنطق الحجر في جبال لبنان، فإذا كنت مراهقًا أو مر بك العمر، فـ لا شك أنك اعتدت على تلقي جرعات يومية منتظمة من صوتها الذي يسحبك رويدًا إلى عالمها لتسير أسيرًا بلا وعي، تتطلع بداخلك التساؤلات عن السر الذي يمكن وراء هذه المرأة التي لا تضحك أبدًا حتى وهي تغني للفرح.
دائمًا ما تشعر فيروز بالخجل عند مواجهة الجمهور بسبب خوفها على العمل الذي تقدمه، والذي تحرص أن يكون «مظبوط على الآخر» بحسب حديثها في لقاء نادر مع الإعلامية سلوى حجازي على التلفزيون المصري، قالت خلاله إنّ هذا الخجل ولد بولادتها في عالم الفن الذي فتح لها أبوابه منذ أن كانت طالبة بالمدرسة.
الأستاذ «فليفل» مكتشف صوت فيروز
تروي جارة القمر كيف سمعها أستاذ في معهد الموسيقى اللبناني محمد فليفل، والذي كان يُعد لتقديم برنامج غنائي في الإذاعة اللبنانية المؤسسة حديثًا، ويبحث عن أصوات له في المدارس، ووجد ضالته في بعض الأصوات الغضة منها صوت فيروز، وعند مفاتحة والدها الذي ينتمي إلى بيئة محافظة فكر إلحاقها بمعهد الموسيقى رفض لاستيائه من فكرة غنائها للعامة، بينما راح «فليفل» يطمئنه بأنّ فيروز لن تغني إلا ضمن كورال الإذاعة، وإنّها ستشارك في الأغاني ية فقط، وأنّه سيتحمل نفقات تعليمها في المعهد وظل يلح على الأب حتى نجح في الحصول على موافقته لكن شريطة أن يرافقها أخوها جوزيف إلى حيث تذهب.
كان يرأس معهد الموسيقى وديع صبرا ملحن النشيد ي اللبناني، فتحمس لأن تدرس فيروز بالمجان، وتبنى «فليفل» صوت فيروز لإيمانه بأنّ جوهرة تنطوي في حناياه، ولم يقتصر الأمر على ما يخص الغناء مباشرة، إذ ظل يلفتها إلى الأشياء التي يمكن أن تؤذي أحبالها الصوتية، وربما كان أبرز ما أفاد به فيروز تعليمها تجويد القرآن الكريم، فقد كان ذلك هو الأسلوب الأكثر فعالية في ضبط مخارج الألفاظ العربية والتمرس بموسيقاها، ولعل هذا التمرس هو ما عزز الإمكانات الرحبة لصوتها وجعله قادرًا على الجمع بين الأداء الطقوسي الكنسي والغناء العربي التقليدي.
فيروز استمرت في معهد الموسيقى أربع سنوات
استمرت دراسة فيروز في معهد الموسيقى أربع سنوات، مثلت بعدها باستدعاء من مدير الإذاعة اللبنانية أمام لجنة الاستماع، وكان يومًا حاسمًا في حياة فيروز التي كانت ما تزال تلميذة بالمدرسة، وغنّت بمصاحبة عود حليم الرومي «يا ديرتي» لأسمهان، ثم مطلع «يا زهرة في خيالي» لفريد الأطرش، ليحيط بها أعضاء اللجنة مذهولين من قدرات صوتها الفريد والذي حرصت ألا تقلد فيه أحدًا: «كنت أسمع لكل الفنانين والفنان وما كنت أقلد حدا، كنت أغني متل ما بعرف، منيح مش منيح شو بعرفني أنا كنت بحب أغني».
حليم الرومي، كان هو من أعطاها اسم المرحلة فيروز (فيروزي) لأن صوتها ذكّره بحجر ثمين رقيق، هو والد المغنية اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، وفي الستينيات، أطلق «حليم» على فيروز لقب «سيدة الغناء اللبناني الأولى».