بعد مرور عدة أسابيع على عملية الاغتيال الدموية التي نفذتها قوات الاحتلال ضد مقاتلي “عرين الأسود” في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، كشفت أوساط أمنية وعسكرية إسرائيلية مزيدا من المعلومات التي أدت إلى تنفيذ هذه العملية الدامية.
أمير بوخبوط المراسل العسكري لموقع “واللا” نقل عن كبار الضباط في الجيش وجهاز الأمن العام- الشاباك، أن “ذلك اليوم من منتصف أكتوبر كان مليئًا بالاجتماعات لدى وزير الحرب بيني غانتس، حين قدم مسؤولون رفيعو المستوى في قسم العمليات في هيئة الأركان العامة للجيش معطيات حول الوضع الأمني في القدس والضفة الغربية المحتلتين”.
رئيس الشاباك رونين بار، الذي حضر الاجتماع أشار إلى نقطتين ساخنتين متفجرتين، وهما: نابلس وجنين، ومعظم الاهتمام كان موجهاً إلى عناصر “عرين الأسود” في حي القصبة في نابلس، الذين ينفذون عمليات إطلاق نار بشكل شبه يومي.
وأضاف بوخبوط أن “السياسيين الإسرائيليين المنغمسين حينها في العملية الانتخابية دعوا إلى استخدام تنفيذ هجمات بالطائرات، وصولا إلى تشغيل طائرة الشبح إف 35، للقضاء على هذه المشكلة، لكن غانتس لم يتحرك وفق رغباتهم، بل إنه عقد سلسلة اجتماعات وخاض عمليات التفكير مع قيادة الجيش في محاولة للقضاء على ظاهرة العرين”.
وكشف أن “غانتس وصلته ثلاثة بدائل مختلفة للعمل ضد العرين، بينها عملية قد تنتهي بعدد كبير من الشهداء الفلسطينيين، وخلق توترات تتدحرج إلى هجمات أكثر فتكًا، مع أن المعلومات الاستخباراتية التي قدمها الشاباك عالية الجودة ودقيقة، بما فيها التطرق إلى سلوك قادة العرين، وطرق العمل، وقدرتهم على متابعة ما يحدث في القصبة، وعلى الطرق الرئيسية المؤدية إلى نابلس، ووضعهم كاميرات في الشوارع، وإقامة حراس أمن في مخبأ، للإبلاغ عن أي حوادث مشبوهة في المنطقة، لمنع أي تسلل نحو حي القصبة”.
وأكد أن “توفر المعلومات الأمنية الدقيقة رافقه وجود عدد كبير من المقاومين، وقدرتهم على مراقبة كل خطوة في المنطقة، ما جعل المنظومة الأمنية للاحتلال تعتقد بأنها أمام عملية معقدة، لكن لا بد منها لتحقيق جملة أهداف، أولها إحباط نوايا العرين لتنفيذ عمليات، وثانيها إيصال رسالة إلى جميع المسلحين في الضفة الغربية، بأنه لا يوجد مكان آمن، وثالثها وقف انتشار الفكر المقاوم لدى المقاتلين الجدد، ورابعها إظهار مدى الاختراق الإسرائيلي للضفة الغربية، براً وليس جواً فقط”.
وأشار بوخبوط إلى أنه “في أقل من أسبوع، تم استدعاء غانتس بشكل عاجل إلى مقر الشاباك للمرة الثانية، ولكن هذه المرة للموافقة على الخطة العملياتية، مع قرار بإلغاء المقابلات في وسائل الإعلام، حيث قدم الشاباك والجيش وقسم العمليات في هيئة الأركان خطة مداهمة لشقة مخبأ في قلب القصبة، خطوة بخطوة، رغم أن المبنى نفسه محاط بعدد كبير من الكاميرات، وهناك متفجرات في المنطقة جاهزة ليتم تفعيلها، وفي الشقة نفسها يوجد مختبر لإنتاج العبوات الناسفة، وتم وضع مساعدين مسلحين على أهبة الاستعداد في حالة الاقتحام”.
وأوضح أنه “رغم التعقيد الهندسي في المكان، فإن غانتس في النهاية وافق على العملية الحساسة في قلب واحدة من أكثر المناطق الفلسطينية كثافة وخطورة، رغم أنه خاطر بشدة بمستقبله السياسي إن حصل شيء ما خارج الحسابات، لكن ضباطا كبارا اختاروا موعد التسلل، وتم تحضير الجنود المدربين، والسرية العالية، والكلاب المهنية، والعملاء السريين، والقناصة التي تقتل على بعد 1200 متر، والتكنولوجيا المتقدمة، بدون تفاصيل.. وبالتزامن فقد تمت زيادة الضغط على العرين، ما اضطرهم إلى العودة إلى المخبأ، وتجنب الازدحام في الشوارع، وقد نصب الجيش كمائن على محاور بارزة لمنعهم من الهروب إلى جنين”.
وأشار إلى أن “هاتف غانتس الأحمر رنّ بعد منتصف الليل بقليل، وأبلغه سكرتيره العسكري ياكي دولف ببدء العملية، بتقدم 140 جندياً سيرًا نحو شقة الاختباء، لكن حلّاقا شاهد الجنود، وأبلغ الباقين بالأمر، لكن كان واضحا أن الساعة الرملية قد انقلبت، وكل ثانية تمر تعد بالغة الأهمية والخطورة، مع بدء المساجد بالدعوة لحماية قادة العرين، عقب محاصرة الجيش للمبنى، واستخدام صواريخ ومتفجرات، ما أدى إلى اشتعال النيران في الشقة، وفي غضون وقت قصير، استشهد خمسة من قادة العرين، عقب استخدام الكثير من الذخيرة والعبوات الناسفة التي عرّضت قوات الجيش للخطر بشكل كبير”.
ويستخلص الإسرائيليون ما يعتبرونه الدرس الرئيسي من هذه العملية، وهو أنه أينما ينسحب الاحتلال، تنشأ مشكلة أمنية أمامه، فقد ترك لبنان والنتيجة أن حزب الله عزز من قوته بصورة مضاعفة، وحين انسحب من قطاع غزة، فقد سيطرت حماس عليه، وحين غادر شمال الضفة الغربية فإن ذلك كان لصالح السلطة الفلسطينية، لكن ظواهر مسلحة برزت فيها، وشكلت تحدّيا للاحتلال، ما يستدعي مواصلة التنسيق الأمني معها.
ورغم أن الاحتلال اغتال عددا من قادة العرين في هذه العملية الدموية، إلا أن استمرار هجمات إطلاق النار على الجيش والمستوطنين يؤكد أن الظاهرة لم تطو صفحتها، وأن هناك المزيد من الفلسطينيين ينضمون إليها، ولعل العرض العسكري الأخير الذي نظمته في نابلس شكل إيذانا باستئناف تشكيلها، ما يعني دوران الاحتلال في حلقة مفرغة، ويجعل احتفاله باغتيال هؤلاء المقاومين سابقا لأوانه.
عربي 21