«مستشرق بريطاني» يرصد تاريخ الرياض في «RIYADH The Old City»

ليس أمرا سهلا للزائر للعاصمة الحديثة الرياض المنتشرة انتشارا واسعا في الوقت الحاضر أن يعي بكل ما فيها، ناهيك عن إدراك قدر هذا الماضي، فليس هناك سوى بقايا قليلة حتى في وسط المدينة القديم ليحرك خيال المؤرخ.

هكذا كتب المستشرق البريطاني وليم فيسي المعني بتاريخ شبه الجزيرة العربية ومدير مركز لندن للدراسات العربية قبل أكثر من ثلاثين عاما في مستهل كتابه: «الرياض: المدينة القديمة RIYADH The Old City» الذي ترجمه الدكتور عبدالعزيز بن صالح الهلابي وأصدرته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في طبعتين.

الكتاب يعد من أوائل الكتب التي رصدت وسردت تاريخ نجد والرياض منذ فجر التاريخ حتى خمسينيات القرن العشرين، عابرا بمختلف العصور والتحولات التاريخية، استند فيه المؤلف على 10 مراجع عربية، وأكثر من 200 مرجع ومصدر باللغات الأجنبية، واصفًا الرياض بأنها: «ملكة صحراء الجزيرة العربية» منذ سنة 1824م (1240هـ) عاصمة نجد و«قلب قلوبها»، ويستطرد وليم فيسي في هذا الوصف قائلا:

«لقد مارست الرياض سحرها على سلسلة متتابعة من الرحالة الأوروبيين ومعظمهم بريطانيون، لذا فمنذ القرن التاسع عشر الميلادي وما بعده، يمكن أن يُقرأ هذا الكتاب أحيانا وكأنه تاريخ للرحالة البريطانيين إلى الرياض».

يتضمن الكتاب قسمين، الأول بعنوان: البدايات، والثاني بعنوان: مدينة الرياض القديمة، وعبر 24 فصلا يتناول وليم فيسي هذا التاريخ العريق، لأول مرة في كتاب استشراقي عن الرياض حيث يعود لأكثر من خمسة آلاف عام من تاريخ المنطقة، مشيرا إلى بدايات الكتابة تبعا للنقوش الأثرية في مناطق شمال غرب المملكة إلى أكثر من 16 ألف عام.

ويتناول وليم فيسي أقدم المستوطنات في جزيرة العرب، وظهور العرب، وحجر اليمامة حتى فجر الإسلام، ثم الحياة القبلية في وادي حنيفة 14461600م وبلدان وادي حنيفة 16001745م ثم الدرعية والدولة السعودية الأولى (17451819م) والرياض عاصمة الدولة السعودية الثانية ( 18191865م) ثم يتحدث عن استعادة الرياض (19011902م) على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله والرياض المدينة المسورة في أوج عزها، عارضا تقرير فيلبي عن الرياض، ثم يرصد مراحل توسع الرياض (19321937م) ثم يعنون الفصول الأخيرة من كتابه بـ: «المدينة تحطم حدودها، قصر المربع، نهاية المدينة المسورة: الرياض في الخمسينيات».

وقد ذكر وليم فيسي في كتابه أن جريان السيول في الجزيرة العربية تتم بشبكة من الأودية تجتاز نجدا من الغرب إلى الشرق، وقد شُقّت هذه الأودية في حقب جيولوجية مطيرة بفعل المياه، وعندما تتدفق مياه الأودية جميعها في نجد تتجمع في ثلاثة أنهار كبيرة تصل إلى الحوض الذي يشغله الخليج في الوقت الحاضر، ويمكن التعرف على مجاري هذه الأنهار في الشمال: وادي الرمة/ الباطن يصب في القصيم ويجري من هناك إلى جنوبي الفرات، ويتكون وادي السهباء من تجمع وادي حنيفة ووادي نساح ووديان أخرى في الخرج إلى سبخة مطيّ وساحل الخليج مباشرة جنوب قطر، وفي أقصى الجنوب يتكون وادي الدواسر من التقاء الوديان في تجويف في جنوب جبال طويق ويفرغ مياهه في الوقت الحاضر في الربع الخالي وتجري مياهه تحت الرمال إلى سبخة مُطيّ على ساحل الخليج.

وبعد الوصف الجغرافي والطبوغرافي، تدرج المؤلف زمنيا إلى أن سكنت قبيلتا طسم وجديس في اليمامة، ثم سكنى قبيلة حنيفة بعدهما، ثم درس التغيرات السكانية التي طرأت في اليمامة، وعلاقات التحول بين البادية والحاضرة، وعوامل نشوء المدن بوادي حنيفة، حتى انتقل لنشأة الرياض والسور المحيط بها، حتى تحولها إلى عاصمة للبلاد في حقب متلاحقة من التطور لتؤهل نفسها كعاصمة لدولة حديثة مترامية الأطراف عليها مسؤوليات محلية وإقليمية ودولية.

ليصل المؤلف لنهايات كتابه فيقول في بداية الفصل الأخير من الكتاب: «توفي الملك عبدالعزيز في آخر سنة 1953م وخلفه ابنه الأكبر الراحل سعود، كان الملك عبدالعزيز أبًا لشعبه بالمعنى الحقيقي: لقد شرع باستعادة ميراث آل سعود، وأوجد مملكة، ووجه نهوضها نحو العالم لمعاصر»

ويبين تطور مدينة الرياض في هذه المرحلة، فالرياض المدينة القديمة المسورة ذاتها، وسكانها، كانت عاملا مساعدا لتحقيق حلم الملك، لكن تطورها المتواصل أوجد احتياجات لمنشآت عمرانية جديدة تغلبت في النهاية على نسيج المدينة التقليدية، حيث هدمت مباني الطين الضخمة في وسط المدينة وتُرك قصر المصمك وحده شاهدًا على الماضي، وأصبح اليوم أحد الآثار الوطنية.

يذكر أن وليم فيسي هو مدير مركز لندن للدراسات العربية والمؤرخ المتخصص في منطقة شبه الجزيرة العربية ومن مؤلفاته: «الدرعية والدولة السعودية الأولى» و«قصة المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية» و«العودة إلى الأرض» الذي يتناول البناء بالطين في المملكة حيث يستعرض فيه الخلفيات والأسس والمعايير والتقنيات والتجارب والنماذج الحديثة للبناء الطيني في المملكة، وكتاب: «المملكة العربية السعودية في عيون أوائل المصورين».