سوريا وتركيا.. هل اقترب التصافي وطيب الجوار؟!

يسود التفاؤل باقتراب التصافي وطيب الجوار بين سوريا وتركيا بعد اجتماع موسكو الأخير الذي ضم وزير دفاع سوريا علي محمود عباس، ووزير دفاع تركيا خلوصي أكار ووزير دفاع روسيا شويغو، وشارك في الاجتماع رئيس مخابرات سوريا على مملوك، ورئيس مخابرات تركيا هاكان فيدان اللذان لم تتوقف الاتصالات بين جهازيهما طوال سني التوتر والعداء الإحدى عشرة. وتركيا هي التي بادرت للتصافي مع سوريا من خلال تصريحات رئيسها أردوغان، وكان مدهشا أن سوريا تباطأت في الترحيب بالتحول الإيجابي في الموقف التركي نحوها.

 كان المتوقع أن تسارع في الترحيب به لسوء حالها من كثرة المعتدين عليها خارجيين وداخليين، ولما سيوفره التحول في الموقف التركي من إزاحة للكثير من أثقال هذا السوء نظرا للدور التركي الواسع فيه إلا أن حنكة القيادة السورية، وشعورها بقسوة الطعنة من الجار التركي، وخشيها من عدم وفائه بقواعد طيب الجوار الذي انتقل فيه مواطنو البلدين بينهما ببطاقة الهوية الشخصية قبل انفجار المحنة السورية الكبرى في مارس 2011؛ صنعت كلها جو حذر وتوجس من التحول التركي. وهنا يقول وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في بيان سابق عن تركيا: “من تعود على دعم الإرهاب لا يمكن الثقة. “. حال سوريا إزاء التحول التركي الإيجابي نحوها حالُ ” الحية ” مع راعي الغنم الذي استأذنها في ارتعاء ماشيته عشب الحقل الذي كانت تعيش فيه، فأذنت له.
ويوما، رآها تطل برأسها من فتحة جحرها، فانقض عليها بفأسه، فأخطأها لسرعة ارتدادها في جوف الجحر، وندم على غدرته أو على إخفاقه في قطع رأس الحية وقتلها، فاستأذنها ثانية في ارتعاء ماشيته بأمان، فأجابته: “كيف أعاودك وهذا أثر في فأسك ؟! “، وبديهي أننا لا نشبه سوريا الحبيبة بالحية، وإنما نقصد رمزية الحكاية العربية الموجبة للحذر ممن يغدر. وفي الوعي السوري العربي القومي حساسية وشك تاريخيان نحو تركيا، ويراها هذا الوعي مغتصبة للواء الإسكندرونة الذي “تنازلت ” لها فرنسا عنه في 1936 زمن احتلالها سوريا. ولتركيا صورة سيئة قبيحة في مناهج التعليم السورية. في كتاب ” اللغة العربية وآدابها ” للبكالوريا _ القسم العلمي _  قصيدة للشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي ( 1863 _ 1936 ) عنوانها ” حتام تغفل ؟! “، يقول أحد أبياتها عن الدولة العثمانية التي حكمت معظم العالم العربي 400 عام: ” وما هي إلا دولة همجية = تسوس بما يفضي هواها وتعمل “.

وتشيع في جو العلاقة بين البلدين الآن لمحات تفاؤل، فقد أوضح وزير الدفاع التركي أن بلاده تحترم وحدة أراضي سوريا، وذكرت صحيفة ” الوطن ” السورية أن تركيا وافقت في اجتماع موسكو الثلاثي على الانسحاب من الأراضي السورية. ويتوقع وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو عقد اجتماع بين الأطراف الثلاثة في منتصف يناير الحالي من المرجح أن يدفع تصافي علاقة البلدين خطوة واسعة للأمام. ويصطدم هذا التصافي برفض قوي من أطياف المعارضة السورية ذات العلاقة القوية مع تركيا، ومن المعارضة الكردية ذات العلاقة السيئة معها والتي هاجمتها تركيا عسكريا مؤخرا، ولاحظنا في دعوة هذه المعارضة، الكردية، فصائلَ المعارضة السورية الأخرى لرفض التصافي السوري التركي ؛ نغمة وطنية سورية بريئة من النزعة الانفصالية التي كانت تظهر في بياناتها ومواقفها السابقة وفي ارتباطها بأميركا، وعلة هذه النغمة واضحة، وهي خشية هذه المعارضة من العواقب المدمرة لها بعد التصافي السوري التركي أكثر من سائر فصائل المعارضة السورية الأخرى التي ليس لها مخططات عرقية انفصالية.
ويصطدم التصافي أيضا بمعارضة أميركا وإسرائيل، وبعض الأنظمة العربية ذات العلاقة السياسية والتمويلية والتسليحية للمعارضة مثل قطر. وفي إدلب خرجت مظاهرات تعارض التصافي السوري التركي. ويعارضه أيضا حزب ” الاستقلال ” التركي بقيادة أحمد داود أوغلو خشية أن يدفع إلى هجرة مواطنين سوريين جدد إلى الأراضي التركية. وتؤيد المعارضة التركية التصافي، ومن أهدافها لتأييده رغبتها في عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم إلا أنها تتمنى أن يكون التصافي من خلالها بعد أن تفوز مثلنا تأمل بالانتخابات البرلمانية والرئاسية في منتصف يونيو المقبل. ودفعها هذا التمني إلى تقديم عرض سخي إلى القيادة السورية إن هي انتظرت فوزها المأمول في الانتخابات. وفي هذا التوجه قال كمال كليتشدار زعيم “الحزب الجمهوري” المعارض لوكالة الأنباء الألمانية: “سئم الناس أردوغان. إنهم يقولون له : كفى !”.
 ويملك أردوغان وحزبه فسحة زمنية كافية حتى الانتخابات المقبلة لإنجاز حاسم في الملف بين البلدين قد يفيده في الفوز بها، فيواصل مع حزبه، حزب العدالة والتنمية، قيادة تركيا التي بدأها في 2002، وصنع لها إنجازات سياسية واقتصادية كبيرة، وجعلها قوة عالمية كبيرة واسعة التأثير والنفوذ في أحداث العالم إلا أن غلطته الكبرى كانت في سوريا بانضمامه إلى القوى المعادية لها انضماما كان له توابعه الحاسمة في صنع المحنة السورية الكبرى، ولعله يخرج بعد الحوار الجديد مع سوريا من شرك تلك الغلطة، ويبدأ عهدا من التصافي الصادق وطيب الجوار، وفي هذا مصلحة كبرى للبلدين والعرب والمسلمين.
كاتب فلسطيني